٥ - لكن هذه الأمور على مستوى الصف لا تعفي الصف من تقديم التضحيات المناسبة واللازمة فلقد عانى المسلمون من الجهد في هذه المعركة ما لم يعانوه في معركة سابقة فالخندق أطول معاركهم استمرت عشرين يوما أو تزيد، وهم في بيوتهم وبلدهم وحصونهم، بينما نراهم هنا، ولا يملكون من الطعام حتى التمر، وهم في أشد الحاجة يصبرون قرابة شهرين على الحرب. فلم تتم نهاية اليهود بهذه السهولة، ولقد دافع اليهود دفاع المستميت عن وجودهم وحصونهم، وقاتلوا وصبروا، لكن المؤمنين كانوا أصبر الفريقين، وأشجع الفريقين وما بذله أبطال المسلمين من بسالة وبذل في النفس والنفيس، فاق تصورات العدو، وكان البذل مشتركا من الفريقين المهاجرين والأنصار.
فعلي بن أبي طالب والزبير بن العوام وعمر بن الخطاب في المبارزات الفردية وكذلك الحباب بن المنذر ومحمد بن سلمة وأبو دجانة سماك بن خرشة حطم كل البطولات الفردية عند اليهود الذين كانوا يحسبون كل بطل من أبطالهم بألف رجل.
والقتال العام الذي كان يستمر أياما. فيضطر اليهود للانسحاب والتراجع، وقد شارك فيه الجيش كله بلا إستثناء يعني أن الحركة لم يبخل المسلمون عنها بشيء من أرواحهم ودمائهم وهي أطول معركة عجم فيها عودهم، واختبر فيها صبرهم فكانوا على مستوى المعركة.
٦ - وتبدو ضراوة المعركة وضخامتها حين نتصور المعركة مع المتحصنين في القلاع والحصون من اليهود. وكما وصف القرآن اليهود {لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى) (١).
وكل هذه الحصون والقلاع لم تفل من عزيمة المسلمين، ولم توهن من مقاومتهم. وهذه طبيعة اليهود اليوم كذلك فمن وراء دباباتهم ومتاريسهم وتحصيناتهم يقاتلون المسلمين اليوم لكن مسلمي اليوم سرعان ما انكشفوا أمام تلك التحصينات وكم أبيد من الألوية العربية في الحروب أمام حصون اليهود.
وحين نقارن بين حرب الخامس من حزيران وبين فتح خيبر. فليست مقارنة عرضية. بل هي مقارنة حقيقية. فلقد أعلن موشي دايان وزير الدفاع الإسرائيلي بعد أن احتل القدس واكتسح بجيشه الأرض العربية في سورية والأردن ومصر. قال وقد مس ثرى القدس: هذه بخيبر.
لقد لقي اليهود قبل خمسة عشر قرنا تلك الهزيمة النكراء التي أنهت الوجود اليهودي في جزيرة العرب ولم تنهه لعقد أو عقدين من الزمان أو لقرن أو لقرنين من الزمان. إنما أنهته لخمسة