للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عشر قرنا من الزمان لم يقم بعدها لليهود قائمة، ولم يرتفع لهم علم ولم تخفق لهم راية. إلى أن كان منتصف هذا القرن وقامت دولة إسرائيل فوق ربا فلسطين، ولم يغب عن ذهن اليهود مرارة خيبر وقد تجرعوا الذل والهوان فيها، وبقي الجيل بعد الجيل يرويها، ويؤرث سلفهم الحقد لخلفهم ويذكره بالثأر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. حتى كانت معركة الخامس من حزيران. حيث سلمت الجولان غنيمة باردة لليهود من الخائن العربي الأكبر. رغم الحصون الضخمة التي فيها، والتي كانت كفيلة أن تقاوم اليهود بعدة جنود قلائل أشهرا طوالا، سلمت بدون قتال، على الجهة السورية، وانهارت تحصينات الجولان التي كان يقال عنها - خط ماجينو- لا بالشجاعة اليهودية ولكن بالخيانة العربية.

لقد كان النصر الإسلامي في خيبر من القوة والضخامة بحيث أنهى الوجود العسكري لليهود. خلال هذه القرون الطوال. وفي غفلة من الزمن، وفي غياب لجند الإسلام عن الأرض وفي غياب لخلافة الإسلام وحكم الإسلام برز الوجود اليهودي من جديد.

٧ - وحين نعالح ذلك الواقع ندرس من خلاله الصيغة التي انتهى يهود إليها أن يكونوا خولا عند المسلمين وأجراء فيخدموا الأرض ولهم نصف الثمر وللمسلمين النصف، ولقد كانت القيادة النبوية من العظمة ما جعلها فوق أحقاد اليهود، وجعل التعامل معمهم بصفتهم بشرا ومدنيين غير مقاتلين بحيث لا يستغل جهدهم، ولو كانوا أعداء الله ورسوله، ولا تستنزف طاقاتهم عبيدا كالعبيد، بل أمكن إيجاد جو من التعايش معهم. بحيث يشتغلون بأرض المسلمين ولهم نصف الثمر. والحركة الإسلامية اليوم بحاجة إلى فقه هذا المعنى. فمن أجل الجهاد رفض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينكب الجيش المقاتل الثائر على الزراعة، فيفقد جاهزيته ويفقد عسكريته، ويفقد جنديته، كما علمهم القرآن الكريم.

{ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} (١).

وليست التهلكة إلا الإنشغال بالزرع والضرع عن المعركة فلا بد أن توجه كل الطاقات للمعركة أما الأرض فلن تلهي عنها ولن تشغل عنها، واليوم والحركة الإسلامية تعد نفسها لمواجهة شاملة لا بد لها أن تجند كل طاقاتها للمعركة. فالإسلام لم يقبل هذا الموقف بعد النصر المؤزر المبين. فكيف تقبله الحركة الإسلامية وهي تخوض معركة وجودها أو لا وجودها في الساحة.

ومع ذلك. فقد استفاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الخبرة الزراعية المختصة، ولو كانت من اليهود لتلبي هذا القطاع وتؤمن حاجته ومضى العام الأول والثاني ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون ماضون في حربهم، وتنقل لهم ثروات أرضهم فهل يستطيع المسلمون اليوم أن يعيدوا اليهود إلى الأرض


(١) البقرة: من الآية ١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>