والاجتهاد الفردي مرفوض ولو كان صوابا محضا واستئذان القيادة الشرعية ولو كان خطأ محضا من حيث السلوك فهو صواب محض من حيث التنظيم.
١١ - ومن المعاني الواضحة في خيبر والتي لم تغب في كل لحظاتها الدعوة إلى الله تعالى فما من مواجهة بين اليهود والمسلمين إلا والتوجيهات النبوية تؤكد على ضرورة الدعوة إلى الله قبل المواجهة.
(فأعطاه الراية فقال: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، قال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير من أن يكون لك حمر النعم)(١).
فإذن ليست الدعوة إلى الله في حالة السلم فقط، ومقابل المعركة، إن المسلم وهو في قلب المعركة داع إلى الله تعالى قبل أن يكون مقاتلا. والبطل العظيم علي رضي الله عنه يحمل الراية بشهادة رسول رب العالمين. يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ويفتح الله تعالى على يديه، ومع ذلك فالدعوة إلى الله تعالى هي الأصل، والهداية خير من القتل.
وهداية امرىء واحد خير من حمر النعم، فليدرك هذا الأمر شباب الحركة الإسلامية أن قضية الدعوة إلى الله يجب أن ترافق المسلم في كل لحظة من لحظات حياته قبل المعركة وخلالها وبعدها وأن يصبح تقييم القيادة والحركة من خلال المعركة ونسيان الأصل الذي قامت عليه الجماعة هو انحراف في الفهم الإسلامي ولا شك. ولئن كانت هذه المرحلة بعد صلح الحديبية هي مرحلة الانطلاق السياسية والدعوية وكانت معركة خيبر ظاهرة خاصة في قلب هذه الأحداث لكنها بقيت تحمل طابع الدعوة إلى الله مع اليهود الذين حاربوا هذه الدعوة منذ مهدها وحاربوا سيد الدعاة محمد - صلى الله عليه وسلم - منذ ولادته.
١٢ - ولا ننسى في النهاية دور المرأة المسلمة وقد شاركت في خيبر في أكبر تجمع نسوي بلغ عدده عشرين امرأة، ورضخ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهن من الفيء وتبقى هذه الذكرى حتى لا ننسى دور المرأة المسلمة في الصف الإسلامي بجوار الرجل. فإذا كان لها دور في المعركة فمن باب أولى أن يكون لها الدور في الدعوة إلى الله. والمرأة نهبة لدعاة الشر في الأرض يريدون لها أن تهدم فتهدم الأسرة معها. وبالتالي يهدم المجتمع كله. ولعل القلادة التي أهداها النبي - صلى الله عليه وسلم - للفتاة الغفارية تعدل كثيرا من غلوائنا ونحن نتعامل مع النساء وذلك كما روى ابن إسحاق عن امرأة من بني غفار قالت: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نسوة من بني غفار، فقلنا: يا رسول الله، قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا وهو يسير إلى خيبر، فنداوي الجرحى ونعين المسلمين بما استطعنا، فقال: