٩ - والمعنى الآخر الذي نلحظه من خلال خيبر هو إخراج اليهود من جزيرة العرب إذ لم يكن نقضا للعهد كما يحلو للمغرضين أن يسموه، بل كان جزءا من الاتفاق الأول حين عرض اليهود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعملوا مع المسلمين في الأرض فكان جوابه عليه الصلاة والسلام (فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع ومن كل ثمر ما بدا لرسول الله أن يقرهم) وعند ابن إسحاق: (وأقركم ما أقركم الله).
وعندما أصبحت المصلحة بإجلائهم عن خيبر، وتأكد لأمير المؤمنين رضي الله عنه هذا المعنى ووصية النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا يجتمع بجزيرة العرب دينان، أمر بإجلائهم إلا من كان معه عهد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاص به بالبقاء.
وتبقى دوما مصلحة المسلمين العليا وأمنهم، أهم من مصلحتهم العادية في زرعهم وضرعهم، ويضحى بكل شيء حفاظا على هذه المصلحة علما بأن المسلمين قد اكتسبوا الخبرة المطلوبة في الأرض. وصاروا قادرين على الانتاج ولديهم السعة للعمل في الزراعة بعد التمكين الكبير لهم فاستغني عن هذه الطاقات كما تستغني كل دولة وحركة عن خدمات وخبرات من هم خارج صفها عندما تمتلك هذه الخبرات أو تستغني عنها وتعتمد الاكتفاء الذاتي في تسيير دولتها.
١٠ - ويبرز المعنى الأخير في خيبر من خلال السبر العام لنفسيه قريش حين جاءها الحجاج بن علاط السلمي، ولم تعط فرحتها لأحد بهزيمة محمد وأسره، لكنها فوجئت بالصاعقة على رأسها حين عرفت أن الحجاج عبث بها حتى أخذ حقه وماله ورحل عنهم.
والذي يعنينا من هذا الدرس جانبان:
الجانب الأول: في التيقظ من المهادنين، والتعرف على حقيقة نفسياتهم وإمكانية نكثهم للعهد إن أتيح لهم ذلك وعلى الحركة الإسلامية أن تقدم الاختبارات المتتالية للتعرف على نفسية الحلفاء والمسالمين.
الجانب الثاني: حق الجندي المعترف على شركه أن يصل إلى حقه عن طريق التضليل بالصف المشترك وإلا لحرم هذا الحق لإسلامه وطالما أن الأخ لم يعلن التزامه في الصف الإسلامي فالمجتمع الجاهلي يحمل وزر تصرفه لا المجتمع الإسلامي فالحجاج في ظاهر الأمر مشرك وأعطي المال على ضوء شركه واستعمل المخادعة للوصول إلى حقه لكنه لم يقدم على هذا الأمر إلا بعد استئذان قيادته.
وحري بشباب الحركة الإسلامية خاصة السريين منهم الذين يحسبون في الأصل جواز مثل هذه التصرفات ألا تتم إلا من خلال الإذن من القيادة الشرعية التي تحدد حدود هذه التصرفات