المعنوية العالية التي لم يرو لها التاريخ مثيلا إلا في المحضن الإسلامي.
والذي نؤكده بحمد الله عز وجل أن هذه الروح المعنوية العالية بقيت خلال خمسة عشر قرنا في الأجيال الإسلامية يرثها الجيل بعد الجيل. وما تنبت فئة مؤمنة بالإسلام إلا ووجدت في صفوفها هذه الروح، حتى جيلنا المعاصر. فلم يعرف تاريخ الحركات السياسية اليوم بطولة نادرة واستبسال منقطع وضحايا في سبيل الهدف كما عرف تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة. وثرى فلسطين وأفغاسسان وحماة هي أصدق شاهد على ما نقول.
وإذا كان جيش العقيدة بهذه الروح المعنوية العالية فهو جيش المبادىء التي بقيت معلما للبشرية خلال تاريخها الطويل حتى صحت البشرية اليوم ووضعت مبادىء في أصول الحرب، لم ترتفع بعد إلى المستوى الإسلامي فوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - للجيش المعد لمقابلة أمم الأرض. توضح أن الهدف الأعظم فيه هي نشر هذه العقيدة وإبلاغ هذا الدين على يد هذه العصبة المؤمنة التي هيأها الله تعالى لذلك. (فادعهم إلى الإسلام فإن فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم) ليس الأمر طمعا في مال أو أرض أو جاه إنما دعوة الناس إلى الدخول في دين الله.
وحين يحال بين الناس وبين دين الله فلا أقل من ألا يحال بينهم وبين شريعة الله والخضوع لهذه الشريعة من خلال الجزية كاف لإنهاء الحرب والكف عن الدماء.
وما لم يكن هذا ولا ذاك، فمن يحارب شرعة الله تعالى يحارب، ولا يجوز لجيش المبادىء أن يخالف المبادىء التي انطلق لتحقيقها والدعوة إليها ومن أجل ذلك نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الجيش عن الإخلال بهذه المبادىء قائلا:(لا تغدروا ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليدا ... وستجدون رجالا في الصوامع معتزلين الناس فلا تتعرضوا لهم، ولا تقتلن امرأة ولا صغيرا ضرعا ولا كبيرا فانيا)(١).
فهؤلاء الذين نشدوا السلامة وهجروا الحرب كالوليد والمرأة والشيخ الفاني والمتبتل للعبادة. ليس هم الإسلام القضاء عليهم بل هو يحارب من أجلهم، ويقاتل الذين يشرعون سيافهم ورماحهم في وجه هذه العقيدة وهذه الشريعة، ويحولون بين الناس وبين دين الله وشرعته. ولا يقتل من المدنيين إلا دعاة البغي والانحلال (وستجدون آخرن في رؤوسهم مفاحص فاقلعوها بالسيوف).
وهؤلاء الذين انطلقوا في الأرض وابتعثهم الله ليخرجوا من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ليسوا أوصياء على البشرية حين تستجيب لهم البشرية، ولا يعني براءتهم من الخطأ، وأنهم الناطقون باسم الله، بل هم بشر ممن خلق ومن أجل هذا يدعوهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن ينزلوا الناس على ذممهم لا على ذمة الله ورسوله، وبذلك يكون الخطأ عليهم لا على هذا الدين الذي