مضوا يدعون إليه - صلى الله عليه وسلم - ويدعوهم إلى أن ينزلوا الناس على حكمهم لا على حكم الله ورسوله (فإنك لا تدري أتصبب فيهم حكم الله أم لا).
وبذلك يلتصق الخطأ بالإنسان لا بعقيدته، بالقائد لا بدينه.
وهكذا نرى أن هذا الجيش المسلم هو كتيبة دعاة حضرت إلى أرض الشام لتتابع رسالة المسلم الشهيد الذي قضى نحبه وهو يبلغ رسالة رسول رب العالمين.
ولا نستطيع ونحن نتحدث عن مؤته إلا الوقوف عند أبطالها الكبار.
فلقد كان زيد رضي الله عنه مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن أخص خاصته. فلقد كان حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له حبا مشهورا عند الصحابة جميعا فيطلقون على ابنه أسامة الحب ابن الحب. وهو أول مولى على الأرض أشرق قلبه بنور الإسلام، والمهمات الصعبة كانت عليه، فهو المكلف بعد بدر بإحضار أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قلب مكة، وحين يحدق الخطر في أشد أهواله، فليكن رجل المهمات الصعبة على رأسه، وحين يقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهذه المخاطر أحب الناس إليه، لا يضن الناس بمهجهم وأرواحهم بين يدي رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وكان الرجل الثاني ... طرازا رفيعا من الرجال.
إنه جعفر بن أبي طالب، الذي شهدناه داعية إلى الله عز وجل في الحبشة، ورئيس الجالية الإسلامية فيها، وأكرمه الله تعالى أن تسلم الملوك على يديه فهو الذي أوضح الإسلام للنجاشي، فاعتنقه، ولم نشهده إطلاقا مقاتلا في معركة، إنه سفير فوق العادة لفترة خمسة عشر عاما خلت في أرض الغربة لسانا ووطنا ودينا، إذا به اليوم قائد معركة.
وليس في الإسلام ذلك الخط الفاصل بين السياسي والجندي والقائد. فكل مسلم هو جندي في المعركة مهما علت مرتبته واختلفت وظيفته، ولا ننسى أنه لم يمر على انضمام جعفر للصف الإسلامي في المدينة السنة، أو تزيد قليلا عن ذلك فقد وصل خيبر بعد الفتح، وكانت خيبر في ربيع الأول لسنة سبع وكانت مؤتة لجمادى الأولى سنة ثمان.
عام واحد فقط. متع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه برؤية حبيبه جعفر، ويكفي أن نعرف مبلغ حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجعفر، بعد غربة خمسة عشر عاما عنه. إن رؤيته له كانت تعادل هزيمة اليهود، فقال عليه الصلاة والسلام:(والله ما أدري بأيهما أنا أسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر) وعلى شدة هذا الحب، وعلى طول تلك الغربة، عندما لاحت بوارق الصدام مع الروم فكان الرجل الثاني لذلك جعفر بن أبي طالب، وكان الدرس العملي، الأضخم أن يكون المولى زيد بن حارثة أميرا على جعفر بن أبي طالب القرشي الهاشمي.
وقد شهدنا جعفر رضي الله عنه يمضي من أرض الغربة إلى أرض الغربة فيسلخ قرابة