نصف عمره فيها، وحين يحين القتال، وهو لم يخض معركة من قبل قط، يبدي من ضروب البسالة والقوة والمقاومة ما تتصاغر أمامه الصناديد الأبطال، يأخذ الراية بيمينة فتقطع، ثم يأخذها بشمال فتقطع، ثم يأخذها بعضديه، ثم يسقط شهيدا وقد أفضى إلى ربه وقد انشق نصفين، فلم يجد إخوته المؤمنون حرجا أن ينظروا إلى عدد طعناته ورمياته فكانت تسعين ما بين ضربة سيف وطعنة رمح.
وكان لا بد لأنصار الله ورسوله من أن يشاركوا في هذا الشرف العظيم على مستوى القيادة فكان الأمير الثالث هو شاعر الإسلام العظيم عبد الله بن رواحة.
وأن تكون قيادة الجيش بين مولى وسفير وشاعر، ليؤكد أن طاقات الإسلام كلها في خدمة المعركة. وأن وقودها في حالة الخطر هو كل شباب الإسلام.
وحافظ ثابت بن أقرم الأنصاري بعد عبد الله بن رواحة الأنصاري على الراية حتى دفعها في صدر خالد بن الوليد.
وإذا كانت الغرابة عندنا أن ينضم جعفر رضي الله عنه وهو من أوائل من أسلم إلى جيش مؤتة بعد سنة من عودته. لكن الأغرب أن يكون خالد بن الوليد في هذا الجيش ولما يمض ثلاثة أشهر على انضمامه للصف الإشلامي بعد حرب عشرين عاما ضد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلقد أسلم في صفر ثمان للهجرة. وتحرك للحديبية في جمادي الأولى سنة ثمان للهجرة كذلك، أي أنه أمضى في مدرسة النبوة فقط شهر ربيع الأول وربيع الثاني وبقايا صفر وجمادى. هذه هي كل حياته في الصف الإسلامي، ولو كان في الحركة الإسلامية اليوم لما حق له أن يوجه أسرة بله يقود معركة.
لقد مضى خالد رضي الله عنه بعزيمة الرجال يريد أن يطوي تلك الصفحة السوداء من حياته ليكتب صفحة جديدة من نور تغسل تلك الصورة القاتمة عن ماضيه في الصد عن سبيل الله، ومن أجل ذلك فما أن لاحت بوارق التعبئة لمؤته حتى كان من أوائل المنضمين لهذا الجيش. ونفسه تتوق إلى تلك اللحظة التي يشهر فيها سيفه في سبييل الله.
ولكنه قدر الله تعالى الذي ادخر هؤلاء الرجال لهذه الأزمات ...
لم يكن يدري ابن الوليد أنه سيكون في موقع الاختبار ومنذ اللحظات الأولى، في موضع لقيادة العليا في الجيش، والغريب أن الذي اختاره لذلك هو أنصاري بدري ورضي المسلمون بذلك. وكانت مفاجأة مذهلة لخالد، هكذا وبكل هذه البساطة يغدو قائدا لجيش محمد عليه الصلاة والسلام، ويسلمه القيادة واللواء الأنصاري البدري ثابت بن أقرم، بل لم يدع المسلمون له لحظة اعتذار، فهو بطل المرحلة، والجيش الآن على أتون المذبحة الرهيبة بين يدي الروم لقد دفع إليه اللواء. والمسلمون معدون للفناء بسيوف الروم.