للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وظهرت معادن الرجال. وبطولات الرجال، وعبقريات الرجال.

ويا لعظمة هذا الدين.

خالد الذي هم قبل عام ونصف أن ينقض على محمد - صلى الله عليه وسلم - في صلاة العصر في الحديبية لينهي هذا الصابىء وجنده- على حد زعمه- يطلب منه الآن وبعد أقل من ثلاثة أشهر من إسلامه أن ينقذ جيش محمد صلوات الله وسلامه عليه من المذبحة المحتمة مذبحة الروم.

وخالد الذي انقض فعلا على محمد - صلى الله عليه وسلم - قبل خمس سنوات من الخلف وحطم النصر المؤزر الذي حققه المسلمون يطلب منه اليوم أن يعيد الكرة، فينقذ الجيش المنهزم المعروض للذبح من الفناء. مع فارق واحد هو إن جيشه الذي استعاد النصر فيه في أحد كان أربعة أضعاف جيش محمد - صلى الله عليه وسلم - بينما يطلب منه الآن أن يستعيد النصر بجيش قوامه ثلاثة آلاف مقاتل على جيش قوامه مئتي ألف أي يطلب منه أن يستعيد النصر على جيش يبلغ سبعون ضعفا من جيشه على التقريب ومع ذلك، فقد تحقق النصر، وفتح الله تعالى على يديه.

إن روايات السيرة تذكر إنه نجا بالجيش وفر فيه، لكن أصح الروايات، والتي سقنا ثلاث روايات منها في البخاري فقط، تؤكد أن فتح الله تعالى قد تم على يديه، وأن الروم قد هزموا هزيمة منكرة، بعد أن استعمل حيلته الحربية البارعة في فت عضد الروم بتغير مواقع جيشه.

ويجمع ابن كثير رحمه الله بين روايات السيرة التي تؤكد خروج أطفال المدينة لملاقاة الجيش بالحجارة لأنهم فروا من المعركة وبين روايات البخاري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بانتصار المسلمين في أن فصيلة من هذا الجيش وفيها عبد الله بن عمر رضي الله عنه قد فرت بعد أن أطبق الموت عليها ونجت بأنفسها إلى المدينة، أما أكثرية الجيش فقد بقيت في أرض المعركة تذود عن حمى الإسلام، واستحق خالد رضي الله تعالى عنه في هذه المعركة أرفع وسام في الجيش الإسلامي، وأعلى رتبة ولم ينل هذا الوسام أحد بعده ولا أحد قبله، أعلنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر. فقال:

(وأخذ الراية سيف من سيوف الله سله الله تعالى على المشركين، جعل الله النصر على يديه) إنها لقفزة هائلة في الميدان العسكري من جندي عادي مغمور إلى قائد فذ يقلده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الوسام، ومضى معه حتى لقي به العرب والفرس والروم، فقال له قائد جيش الروم في اليرموك: هل أنزل الله سيفا من السماء فأعطاكه. فلا تسله على قوم إلا هزمتهم؟ ولم ينزل الله تعالى سيفا من السماء. بل أنيت هذا السيف من صلب الوليد بن المغيرة الذي هجاه الله تعالى في كتابه، ونقله بعد عشرين عاما من قلعة الشرك إلى قلعة الإيمان. فإذا معادن الرجال تبرز صارمة صارخة كما يقول عليه الصلاة والسلام: الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) (١).


(١) رواه البخاري في باب المناقب، ومسلم كذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>