للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتبدو أهية هذه السمة في هذه المرحلة في أنها كانت توطئة للفتح الأعظم في مكة، وكانت كذلك تهيئة للقبائل العربية أن تنضم للإسلام. ولا شك أن ارتفاع معنويات المسلمين قد بلغ الذروة بعد غزوة مؤتة. حيث حدثهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الفتح الذي تم على يد خالد رضي الله عنه على المنبر، وقبل وصول الجيش الإسلامي من مؤتة. وعاشت المدينة أفراح النصر وآلام

الضحايا في لحظة واحدة. وكان أطفال المدينة من اليقظة والوعي ما يضاهئون به يقظة ووعي أبطال الأرض، فمع الحيصة الأولى كانوا يقذفون الفصيل المنهزم بالحجارة ويقولون: أنتم الفرار في سبيل الله، ولم يخفف من وطأة هذا الهجوم إلا قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لهم: بل أنتم الكرارون إن شاء الله، ومع ذلك فقد عاشوا جوا من الهم والقلق. رغم عذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. بينما خرج الأطفال أنفسهم يشتدون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستقبلون الجيش المنتصر وعلى رأسه سيف الله المسلول خالد بن الوليد.

والحركة الإسلامية اليوم بحاجة إلى أن تتدبر هذه المعاني العظيمة في هذه المعركة. وتبحث عن أفذاذ الرجال الذين يعدل الواحد منهم الألف بل المائة ألف. والذين غمروا أو حالت الظروف دون بروزهم وظهورهم، وقد يكون بين خصومها الأقوياء من يدخره الله تعالى ليكتب نصره على يديه فما ندري؟ إذ ما الذي يمنع من أن تتكرر تجربة أفلاذ كبد مكة مرة ثانية. ولعل في رجالها وشبابها المنتثرين في أراضي الغربة في أوربة وأمريكا من هو مؤهل لمثل هذه المواقع، وما أحوج الدعوة إلى أمثال جعفر الطيار، وسيف الله ابن الوليد.

لقد قال الله تعالى للمؤمنين الغاضبين الحانقين يوم صلح الحديبية:

{ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ..} (١). وتحقق موعود الله بالثورة الإسلامية التي قادها أبو بصير رضي الله عنه، وأنقذ الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات، وشاء قدر الله تعالى أن تتأجل المعركة كذلك رغم هم وغم المسلمين ثم كان الوعد الآخر.

{.. ليدخل الله في رحمته من يشاء} (٢).

وأدخل الله في رحمته بعد الحديبية هذه النماذج خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة {لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما} (٣).

إنها الأقدار .. ولعل أقدار الحركة الإسلامية في هذا الجيل حين يبطىء النصر. وتدلهم المحنة، ويفدح الخطب. أن تكون إرهاصات لأن يدخل الله في رحمته من يشاء. فيكون منعطفا في تاريخ الأمة والحركة، وينقذ الله تعالى الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات. من براثن الكفر وأيدي


(١) و (٢) و (٣) الآية ٢٥ من سورة الفتح.

<<  <  ج: ص:  >  >>