ونحن لا ننفي إطلاقا بل نقول إن الدور الأضخم والأكبر الذي ساعد هذه القاعدة على تمثل هذه العناصر الجديدة هو شخص القائد الأعظم محمد - صلى الله عليه وسلم - الموحى إليه من الله تعالى، ومن أجل ذلك لا يقف الجندي المسلم ليفكر لحظة في مناقشة الأمر طالما أنه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكنه يفكر في كيفية التنفيذ وسرعته في التو واللحظة.
فأبو عبيدة رضي الله عنه لم يقف ليوازن كثيرا نتائج تنازله عن الإمرة لعمرو، واحتمالات أخطائه الكثيرة وهو الجديد على الإسلام، بل كانت وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منارا هاديا له:(لا تختلفا، تطاوعا). فاستجاب على التو وقال. لئن عصيتني لأطيعنك.
وتبدو أهمية التربية لهؤلاء القادة الكبار الذين انضموا للصف الإسلامي من جديد من خلال العرض الأخير الذي عرضه لنا عمرو رضي الله عنه، إذ حدثنا صراحة أن إمرته على أبي بكر وعمر وأمثالهم جعلت لديه غرورا بأنه أفضل من هؤلاء جميعا. أو على الأقل أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم، ولكي يؤكد هذا المعنى. يأتي ليسأل نبي الله عليه الصلاة والسلام عن أحب الناس إليه. وكان يتوقع الجواب أن يكون هو ذلك الإنسان فإذا به يفاجأ بأن أحب الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد عائشة زوجه هو جنديه الذي كان تحت إمرته أبو بكر وجنديه الذي كان تحت إمرته عمر، وجنديه الذي كان تحت إمرته أبو عبيدة، وعدد رهطا من الصحب، واستحيا عمرو من ذكر هؤلاء الرهط حتى توقف عن الاستفسار خشية أن يكون آخرهم، وكان لا بد أن يتلقى عمرو في مدرسة النبوة هذا الدرس الشديد حتى يفرق بين المهمة المحددة والموقع الأصيل، يفرق بين التكليف والإكرام وبين الثقة بالمجاهدين الأولين الذين أمضوا حياتهم وأفنوا عمرهم في سبيل الله.
واكتفى بهذه الإجابات لتجعله ضمن المدى الذي حدد له، ورضي الله عنهم أجمعين.
فلم يغضب ولم تتحرك الجاهلية في كيانه، بل أصبح لاحقا بهذا الرعيل، فيقدم لنا ذاته بخطأ تصوره وعظمة إكباره للشيخين أبي بكر وعمر، وإخوانهما من المهاجرين الأولين.
وليستفد الشباب المسلم من هذا الدرس كذلك، وليضعوا ذاتهم خلفهم وليتقبلوا تقويم قيادتهم لهم في المهمات والملمات دون أن يضعوا أنفسهم فوق ما يستحقون ودون أن يحملوا على قيادتهم حين لا تستجيب لأهوائهم كما يشتهون.
ونعرض أخيرا هذه الجوانب الجزئية كلها لتنضم في إطار هذه السمة التي لاحظنا خطوطها العريضة في مواجهة الروم، وفي بناء الصف الداخلي المتلاحم المذهل، وأن هذه التوطئة قد كانت إيذانا بالتوجه نحو مكة لتحقيق الفتح الأكبر، وكان جنود المرحلة الأولى كأنما كلف كل واحد منهم بالعديد من إخوانه يثقفه فقها ويربيه سلوكا. وينصحه قدوة ويبنيه مسلما مخلصا