قال: فخرجت حتى حبسته بمضيق الوادي حيث أمرني رسول الله أن أحبسه. قال: ومرت القبائل على راياتها كلها مرت قبيلة قال: يا عباس من هذه؟ فأقول سليم: فيقول: ما لي ولسليم، ثم تمر القبيلة فيقول: يا عباس من هؤلاء؟ فأقول: مزينة فيقول: ما لي ولمزينة، حتى نفذت القبائل ما تمر به قبيلة ولا يسألني عنهم، فإذا أخبرته بهم قال: ما لي ولبني فلان، حتى مر رسول الله في كتيبته الخضراء فيها المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، فقال: سبحان الله يا عباس من هؤلاء؟ قلت: هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار. قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما قال: قلت: يا أبا سفيان إنها النبوة. قال: فنعم إذن.
ليس ببعيد أن تكون الأنباء قد وردت متضاربة لأهل مكة حول نتائج سرية مؤته. لأن نقض قادة قريش للعهد لا بد أن يكون وراءه خلفية معينة حول ضعف محمد وأصحابه. فبعد خيبر ارتفعت الثقة بقوة المسلمين، أما إذا وصلت الأنباء إلى مكة عن فرار جيش محمد من الروم، فهذا يطمع في فتح هذه الجبهة، خاصة وأن الذين ساهموا في نقض العهد هم الذين أبرموه سهيل بن عمرو ومركز بن حفص، وحويطب بن عبد العزى، مع آخرين، وقد تكون القضية اندفاعا وحمية عمياء، إذ يذكر المقريزي (أن أنس بن زنيم الدبلي هجا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمعه غلام من خزاعة فضربه فشجه، فثار الشر بين بني بكر (حلف قريش) وبين خزاعة (حلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)(١).
وتبدو محاولة مكشوفة تلك التي لجأت إليها قريش في إرسال أبي سفيان لتلافي الأمر وزيادة المدة وتأكيد العهد. لأنه لن يغيب عن ذهن قريش أن خزاعة ستستنجد برسول الله حليفها الأكبر. ولقد أدرك أبو سفيان منذ اللحظات الأولى فشل مهمته حين تأكد من أن بديل بن ورقاء الخزاعي قد وفد إلى المدينة والتفى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن فرك بعر راحلة بديل بيده وقال: أحلف بالله لقد جاء بذيل محمدا، وذلك حين رأى النوى في بعر البعير.
وكان ذهاب بديل وهو أحد قادة مكة رفدا لعمرو بن سالم الذي جاء المسجد وعرض قضية الغدر بأسلوب مشرق مثير. وذكر بضرورة الانتصار للمضطهدين من خزاعة. وقبل أن نتحدث عن رحلة أبي سفيان لمكة، لا بد من التركيز على بعض النقاط المهمة حين نتحدث عن فتح مكة بصفته سمة بارزة في العهد المدني لا حدثا تاريخيا مر.
فالأصل في العهود بين المسلمين والمشركين أن يكون الوفاء بها من الطرفين. ورأينا عظمة تمسك النبي - صلى الله عليه وسلم - بعهده وعقده، حتى ولو برفض قبول المؤمنين المستضعفين في المدينة، وقد شكل