فأهله بالخيار إن شاؤوا فدم قتيلهم وإن شاؤوا فعقله).
ثم أمر خزاعة يخرجون ديته فأخرجوها مائة من الإبل فكان أول قتيل وداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الإسلام.
ثانيهما: المرأة المخزومية التي سرقت. وكانت امتحانا مباشرا لدولة الإسلام في الأرض، وبنو مخزوم من أشراف الناس وبدأت الوساطات من كل جانب وكان أسامة بن زيد رضي الله عنه أحب الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فجاء يشفع في حدها، فكان الجواب قاسيا جدا عليه: يا أسامة أتشفع في حد من حدود الله!!
ثم أعلن عليه الصلاة والسلام، أسباب محق الأمم وهلاكها: إنما أهلك من كان قبلكم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد.
ثم أعلن كذلك - صلى الله عليه وسلم -، أنه لا أحد في هذه الأرض فوق حدود الله بعد بلوغها للحاكم: والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
والحركة الإسلامية تهلك يوم لا تعدل في أحكامها بين قيادتها وقواعدها، وطالما أنها ترهب أن تقول كلمة الحق في صفها، فلن تعلن كلمة الحق في الناس، وميزان الحكم على النصر والهزيمة من خلال هذه الكلية الضخمة. وإنه لامتحان عسير أن تساوى القيادة في أحكامها على أبنائها مع الآخرين، وحين تنفذ ذلك فتكون لها القوامة على الآخرين.
أما الذين أهدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دمهم، وكانوا ستة نفر فكان أغلبهم من المرتدين أو الذين آذوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هجاء مقذع أو اعتداء أثيم .. وقد قتل نصفهم ونجا نصفهم. وتقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كره منه - وساطة عثمان في عبد الله بن سعد في الوقت الذي أتاح فيه للمسلمين أن ينفذوا حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه، وشاءت إرادة الله أن لا ينتبه المسلمون لذلك فينجو عبد الله، ثم يسلم فيحسن إسلامه. وعثمان الذي تستحي منه الملائكة، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستحي منه ويقول: ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة. جعلت رسول الله يوافق بعد لأي وإلحاح لثلاث مرات على إجارته.
وهو موقف كريم من نبي كريم، مع صحابي كريم من صحابته. نرى من خلاله إلى أي مدى ترتفع قيمة الجندي عند قائده ولو في تغيير خطة أعلنها على الملأ. وكرامة عثمان عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كانت يوم تمت بيعة الحديبية على الموت ثأرا له بعد إشاعة مقتله. وها هو اليوم في مكة يشفع لمرتد لا يمكن أن ينجو لولا الموافقة النبوية على ذلك.
والإشارة العظيمة إلى أن النبي لا يقتل بالإشارة ذات دلالة على شرف النبوة التي لا تتعامل