فالخطأ الذي أخطأه ابن الوليد رضي الله عنه، لم يحرقه، ولم يقض عليه، ولم يعزله، ولم ينل من كفاءته وطاقته. إنما أعلن خطؤه، وسمع التأنيب الضروري، وتلقى الدرس التربوي المناسب وتابع مهمته في موقعه نفسه في القيادة دون أن يشهر به، أو يستغنى عنه، بل نهى المسلمين بعد الخطأ ذاك من الاسترسال في النقد. وطلب منهم الكف عن الحديث في هذا الأمر وقال:(لا تسبوا خالدا فإنه سيف من سيوف الله. سله الله على المشركين)(١).
ونخلص من هذا الدرس الأخر إلى أن خطأ الأخ سواء كان في القيادة أو في القاعدة. لا بد أن يعالج المعالجة المناسة، ويحاسب على خطئه لكن هذا لا يقتضي إسقاطه أو عزله، أو التخلي عنه والتخلي عن طاقاته وإمكاناته ومواهبه. والجماعة الحكيمة هي التي تحافظ لا على قيادتها فحسب بل على أصغر جندي من جنودها، والفرق كبير جدا جدا بين محاسبة المخطىء في الحدود اللازمة وبين الإجهاز عليه، وما يوم بني جذيمة بسر.
ب - غزوة حنين
الرسول - صلى الله عليه وسلم - يغادر مكة إلى حنين: وفي يوم السبت السادس من شهر شوال سنة ٨ هـ، غادر رسول الله مكة، وكان في إثني عشر ألفا من المسلمين عشرة آلاف ممن كانوا خرجوا معه لفتح مكة، وألفان من أهل مكة، وأكثرهم حديثوا عهد بالإسلام، واستعار من صفوان بن أمية مائة درع بأداتها، واستعمل على مكة عتاب بن أسيد. ولما كان عشية جاء فارس فقال: إني طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن عن بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله. وتطوع للحراسة تلك الليلة أنس بن أبي مرثد الغنوي.
وفي طريقهم إلى حنين رأوا سدرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط. كما لهم ذات أنواط فقال: الله أكبر، قلتم -والذي نفسي بيده- كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة. قال: إنكم قوم تجهلون. إنها السنن، لتركبن سنن من كان قبلكم. وقد كان بعضهم قال: نظرا إلى كثرة الجيش: لن نغلب اليوم. وكان قد شق ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الجيش الإسلامي يباغت الرماة والمهاجرين: إنتمى الجيش الإسلامي إلى حنين ليلة الثلاثاء لعشر خلون من شوال، وكان مالك بن عوف قد سبقهم فأدخل جيشه بالليل في ذلك الوادي، وفرق كمناءه في الطرق والمداخل. والشعاب والأخباء والمضايق. وأصدر إليهم أمره بأن يرشقوا المسلمين أول ما طلعوا، ويشدوا شدة رجل واحد.