فكان يقاتل بهم ثقيفا، لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه، حتى ضيق عليهم فقال أبو محجن:
هابت الأعداء جانبنا ... ثم تغزونا بني سلمة
وأتانا مالك بهم ... ناقضا للعهد والحرمة
وأتونا في منازلنا ... ولقد كنا أولي نقمة (١).
لقد انهزت هوازن في المعركة وحقق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصرا ساحقا عليهم حتى ساق نعمهم ونساءهم وأبناءهم سبايا في المعركة. وفر قائدهم إلى ثقيف. لكن ماذا استفاد الإسلام من هذه المعركة. إذا كان الحقد والكراهية والكفر هو الذي يسود في صفوف هوازن؟ إن النصر العسكري يهم القائد العسكري فقط، ويهم أصحاب المناصب والمراكز والمتصارعين على السلطة. أما الحركة الإسلامية، فالنصر بالنسبة لها هو في دخول كتائب جديدة في الإسلام. وفتح مغاليق هذه النفوس لتجد الرحمة والملاذ والأمن في ظل الإسلام. ومن أجل هذا، فما يركز عليه الداعية المسلم، في السيرة المطهرة هو ما وراء المعارك، وما وراء النصر العسكري. لأن هذا التفكير يعني أن فصائل جديدة تنضم إلى الإسلام كل يوم، لا ترتدعنه وتثور عليه وهذا هو وفد هوازن، أربعة عشر رجلا من قادتهم جاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسلمين. وكان بالإمكان أن ينضم إلى الصف الإسلامي هذا الوفد فقط. لأن الأوان قد فات وتم توزيع السبايا على المسلمين، وهو حق مكتسب لهم. فكيف يفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم. إنه القائد الفذ الذي لم تشهد البشرية مثيلا له ولن تشهد. إنه يفكر في أن ينتزع هذه السبايا من إثني عشر ألف مقاتل. ومثل هذا الأمر من خلال النص الشرعي. قد يدفع الجيش كله إلى الثورة عليه. ولو صمت الجيش لصمت على مضض وكتم على ألم وتوتر. فكيف استطاع عليه الصلاة والسلام أن يستعيد هذه السبايا من الجيش. والجيش هانىء راض يتسابق على التخلي عنهن؟
إنها عظمة النبوة ولا شك، وهي بالتالي درس لكل قيادة في الأرض أن تحقق أهدافها من خلال استخراج كل ما في النفس الإنسانية من خير ونبل، ولو كان قابعا في أعمق أعماق هؤلاء الناس وأن يتمكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من استعادة السبايا من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، من أصحاب الكتيبة الخضراء من الذين أعادوا بثباتهم النصر من جديد للجيش المسلم، من الذين استحقوا بجدارة هذه السبايا. أن يسترد هذه السبايا من المسلمين الجدد الذين مر على إسلامهم سنة ونيف، ولا يزالون يتحركون من خلال الرغبة الجامحة في الغنيمة. هذا هو عظمة المعاملة النبوية في فقه هذه النفوس، ولم يهدد عليه الصلاة والسلام بسلطة، ولم يلوح بعصا إنما كانت الخطوة الأولى من خلال الأريحية. والثقة وحصر ثقته بأهله بني عبد المطلب. وبذلك خط منطلقا لتيار كبير في الجيش أن يحذو حذوه. وكان لهذا الخط حدود، ما أمكن له أن يستوعب