وشهادة ساقها الله إلي فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يرتحل عنكم، فادفنوني معهم. فزعموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فيه: إن مثله في قومه لكمثل صاحب يسن في قومه.
وعظيما القريتين. مرا بموقف متشابه. فالوليد بن المغيرة عرف في قرارة قلبه أن ما يقوله محمد ما هو بكلام الإنس وما هو بكلام الجن. لكنه خاف على موقعه. فقال إن هذا إلا سحر يؤثر. فكانت عاقبته النار. بينما تخلى عروة عن موقعه، وأعلن إسلامه على قومه وهو يعلم أنه أحب إليهم من أبكارهم وبشره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشهادة (إنهم قاتلوك) فما توانى ولا تراجع، ورموه بالسهام حتى سقط شهيدا في سبيل الله فكان أول داعية في قومه إلى الله ورسوله كما كان صاحب يسن في قومه.
وها هو عمرو بن أمية يأتي إلى زعيم ثقيف الثاني عبد يا ليل بن عمرو فيقول له: إنه قد كان من أمر هذا الرجل ما قد رأيت، قد أسلمت العرب كلها، وليست لك بحربهم طاقة. فانظروا في أمركم فعند ذلك ائتمرت ثقيف بينها وقال بعضهم لبعض أفلا ترون أنه لا يأمن لكم سرب ولا يخرج منكم أحد إلا اقتطع. فأتمروا بينهم وأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا فكلموا عبد يا ليل بن عمرو .. وأجمعوا أن يبعثوا معه رجلين من الأحلاف، وثلاثة من بني مالك فيكونوا ستة (١). وعبد يا ليل. هو الذي قال قبل ترابة اثني عشر عاما لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنا أمرط ثياب الكعبة إن كان الله قد أرسلك هو نفسه اليوم يمضي إلى المدينة وافدا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلن إسلام قومه، وفي الوقت الذي كان المسلمون يدعون على ثقيف ويطلبون من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك كان يقول:(اللهم اهد ثقيفا وائت بهم). ولم يغير رسول الله نهجه مع ثقيف سواء وهم يطاردونه بالحجارة، أو يحاصرهم في حصونهم فلقد كانت هدايتهم عزيزة عليه جدا (عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله).
ولتمكن هذا المعني في نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعرفة المسلمين به كان أبو بكر والمغيرة بن شعبة يتسابقان لنقل هذه البشرى لرسول الله صلوات الله عليه.
وجاء الوفد ومعه عزة الجاهلية. وتركه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجو الإسلامي والبيئة الإسلامية يتعرف على مبادىء الدعوة ومفاهيم الإسلام. وكانت نفسية الوفد منطلقة من صورة معاهدة صلح أكثر من صورة استسلام لله عز وجل؛ ومن أجل ذلك قدموا شروطا خمسة. أن (يأذن لهم بالزنا وشرب الخمور، وأكل الربا، ويترك لهم طاغيتهم اللات ثلاث سنين على الأقل ويعفيهم