من الصلاة (١) ورفضت الشروط كلها. بلا استثناء لأن الأمر ليس أمر ملك دنيوي، بل هو أمر الله تعالى وشريعته. ولا يمكن أن يكون القوم مسلمين، ويحلوا حراما، أو يبيحوا ترك فريضة. والإسلام هو الاستسلام الكامل لله تعالى في كل شيء يحل حلاله ويحرم حرامه وحين رأت ثقيف أن لا مناص من ذلك - طلبت طلبا واحدا تمت تلبيته وهو أن يعفيهم عليه الصلاة والسلام من هدم آلهتهم بأيديهم. فقبل ذلك منهم عليه الصلاة والسلام، وبعث المغيرة بن شعبة الثقفي فهدمها بعد ذلك ورجع الوفد إلى قومه فكتمهم الحقيقة وخوفهم بالحرب والقتال، وأظهر الحزن والكآبة وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألهم الإسلام وترك الزنا والربا والخمر وغيرهم وإلا يقاتلهم. فأخذت ثقيفا نخوة الجاهلية، فمكثوا يومين أو ثلاثة يريدون القتال، ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب، وقالوا للوفد: ارجعوا إليه فأعطوه ما سأل وأبدى الوفد حينئذ حقيقة الأمر، وأظهروا ما صالحوا عليه وأسلمت ثقيف (٢).
وبذلك انهارت أمنع الحصون العربية ودخلت في الإسلام؛ وتوضح الأمر أن لا مساومة على دين الله ولو كانت المساومة تأجيل هدم اللات شهرا واحدا فقط وهذا في موقع القوة بينما قبل الرسول - صلى الله عليه وسلم - محو (رسول الله) و (الرحمن الرحيم) يوم الحديبية.
وتجلى الفرق بين الدخول في الإسلام ودولة الإسلام؛ وبين التفاوص من موقع المساواة في القوة بل يتضح الفرق أكثر يوم رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل ثلاثة عشر عاما يطلب فقط حمايته من ثقيف ليدعو إلى الله عز وجل دون أن يتدخل في دينها ومقدساتها وأي شأن من شؤونها وبين الوضع اليوم والمسلمون قد تمكنوا من الأرض؛ وتزلزلت ثقيف رعبا من حروبهم.
والحركة الإسلامية المبصرة، تعرف الفرق بين المرحلتين، وتنطلق حسب الظروف التي تملكها لتمكن لنفسها ولدين الله. وتتعلم كذلك ما يمكن قبوله من الشروط وهي في موقع القوة؛ وما لا يمكن قبوله وهي في الموقع نفسه حين وجدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفض شرطا يحل حراما أو يحرم حلالا بينما لا يجد حرجا من إعفائهم من كسر أصنامهم بأيديهم.
ثانيا - وفد تميم:
أما وفد تميم. ففد جاء يباهي بشعره وبيانه فأجابه بالأسلوب نفسه فرد على الشعر بالشعر حيث أفحم شاعر تميم من حسان ورد على الخطبة بالخطبة حيث أفحم تميم من ثابت بن قيس وانتهى الأمر عندهم أن (قال الأقرع بن حابس: وأبي إن هذا الرجل لمؤتى له لخطيبه أخطب من خطيبنا، ولشاعره أشعر من شاعرنا؛ ولأصواتهم أحلى من أصواتنا. فلما فرغ