للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمام سلطان حاكم. ولم يفكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - باللين مع هذه القيادات بصورة من الصور حين تريد أن تجعل لرأيها وزنا مع الله ورسوله.

خامسا: وفد طيء:

وقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفد طيء، فيهم زيد الخيل وهو سيدهم، فلما انتهوا إليه كلموه، وعرض عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإسلام، فأسلموا وحسن إسلامهم، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما حدثني من لا أتهم من رجال طيء: ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه، إلا زيد الخيل. فإنه لم يبلغ كل ما كان فيه، ثم سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد الخير.

وأما عدي بن حاتم فكان يقول: ما من رجل من العرب كان أشد كراهية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين سمع به مني، أما أنا فكنت امرءا شريفا وكنت نصرانيا، وكنت أسير في قومي بالمرباع (١). فكنت في نفسي على دين، وكنت ملكا في قومي، لما كان يصنع بي. فلما سمعت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - كرهته فقلت لغلام كان لي عربي، وكان راعيا لإبلي: لا أبا لك اعدد لي من إبلي جمالا ذللا سمانا.

فاحتبسها قريبا مني، فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطىء هذه البلاد فآذني. ففعل، ثم إنه أتاني ذات غداة فقال: يا عدي: ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن، فإني قد رأيت رايات فسألت عنها. فقالوا: هذه جيوش محمد. فقلت: فقرب إلي أجمالي، فقربها.

فاحتملت بأهلي وولدي، ثم قلت: ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام. فسلكت الجوشية (٢). وتخالفني خيلي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتصيب ابنة حاتم فيمن أصابت. فقدم بها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبايا من طيء. وقد بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هربي إلى الشام المسجد. كانت السبايا يحسسن فيها، فمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقامت إليه وكانت امرأة جزلة فقالت: يا رسول الله هلك الوالد، وغاب الرافد، فامنن علي من الله عليك. قال: ومن وافدك؟ قالت: عدي بن حاتم. قال: الفار من الله ورسوله؟ قالت: ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتركني، حتى إذا كان من الغد مر بي. فقلت له مثل ذلك، وقال لي مثل ما قال بالأمس. قالت: حتى إذا كان بعد الغد مر بي وقد يئست منه. فأشار إلي رجل من خلفه أن قومي فكلميه؛ قال: فقمت إليه فقلت: يا رسول الله هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن علي من الله عليك فقال - صلى الله عليه وسلم -: قد فعلت. فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم اذنيني فسألت عن الرجل الذي أشار إلي أن أكلمه فقيل: علي بن أبي طالب. وأقمت حتى قدم ركب من بلى أو قضاعة، قال:


(١) المرباع: آخذ الربع من الغنائم.
(٢) الجوشية: جبل قرب نجد.

<<  <  ج: ص:  >  >>