للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آلاف مقاتل وهم الذين عرض عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلث ثمار المدينة مقابل انسحابهم من حربه في الخندق، ومن أجل ذلك كان عامر ينطلق ويتكلم من منطق القوة. وجاء يطالب بالوراثة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أو اقتسام السلطة بين الإسلام والجاهلية، فرفض عليه الصلاة والسلام ذلك كله ولم يقبل منه إلا الإسلام، وكان لتهديده بقوته دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اللهم اكفني عامر بن الطفيل فقضي عليه قبل أن يصل إلى قومه.

والفهم الحركي لهذا الوفد يعطينا صورة جديدة من الصور المرفوضة في المساومات، وهي قضية الوراثة أو المشاركة بين الكفر والإسلام في الحكم، وقد رفضت هذه الصورة منذ المرحلة المكية حين كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو القبائل إلى الإسلام.

فالجانب السياسي له حدود محددة. وهذه الحدود لا يمكن أن يكون الإسلام فيها موضع مساومة أو موضع مفاوضة، لا يجتمع الإسلام والجاهلية في حكم واحد. أو موقع واحد.

رابعا: وفد بني حنيفة:

ولم تكن بنو حنيفة أقل سطوة وقوة من تميم وغطفان. فلقد كانت تحكم ريف اليمامة. وجاء وفدهم ومعه مسيلمة بن حبيب الذي جاء يراوغ ويداور لعله يصل إلى شيء فكان جواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له وفي يده عسيب من سعف النخل: لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه ..

(ثم انصرفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاؤوه بما أعطاه. فلما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب له وقال إني أشركت في الأمر معه) (١).

وكان ثمامة بن أثال أصدق دينا وأثبت أصلا وأندى مروءة من مسيلمة الذي أسره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ويأتيه رسول الله فيقول له: أسلم يا ثمامة، فيقول: إيها يا محمد إن تقتل تقتل ذا دم وإن ترد الفداء فسل ما شئت. فمكث ما شاء الله أن يمكث ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أطلقوا ثمامة. فلما أطلقوه خرج حتى أتى البقيع. فتطهر فأحسن طهوره ثم أقبل فبايع النبي - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام .. ثم خرج معتمرا فلما قدم مكة، قالوا: أصبوت يا ثمام؟ فقال: لا. ولكني اتبعت خير دين، دين محمد ولا والله لا تصل إليكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا فكتبوا إلى رسول الله: إنك تأمر بصلة الرحم وإنك قد قطعت أرحامنا، وقد قتلت الآباء بالسيف، والأبناء بالجوع. فكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه أن يخلي بينهم وبين الحمل) (٢) وبقيت اليمامة بزعامة مسلمة تتهيأ للوثوب.

ولعل هذه القيادات القبلية. لم تكن تدرك حقيقة الإسلام، إنما كانت تتصور الأمر هزيمة


(١) السيرة لابن هشام ج ٤ ص ٥٧٦.
(٢) السيرة لابن هشام ج ٤ ص ٦٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>