إقدام عمر في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء إياس.
ومكارم الأخلاق لها وزن في هذه القبيلة فقد أطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سراح سفانة بنت حاتم لأن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، وزيد الخيل فبما سمعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه من ثناء كان أقل مما فيه، وأطلق عليه زيد الخير، وحصافة سفانة. وذكاء عدي وعمق فكره في التفريق بين الملك والنبوة، حيث أدرك الفرق من خلال وقوفه للمرأة العجوز، ومجلسه التواضع في بيته، وعلمه بمظالم عدي أقنعته بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام.
وأدرك الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبعاد عدي بن حاتم الذي لجأ إلى ملوك غسان، وأنه ينتمي إلى النصرانية التي تقودها مملكة الروم. فكان لابد من غزو هذه الأبعاد، والإحاطة بهذه الأعماق حيث أبرزها على السطح وهي الخوف من الفقر والضعف وقلة العدد. وحيث أن عديا قد تجاوز مرحلة التشكيك في النبوة. كان هذا الحديث عن أفق المستقبل الوضيء ضروريا له ليقوده إلى الحق فتلين قناته، ويذلل جماحه.
ولا شك أن النماذج البشرية تختلف فلا بد من الحديث مع كل نموذج بما يناسبه. والحديث المشهور الذي رواه الترمذي عن عدي في لقائه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على نصرانيته. وفي عنقه صليب ذهبي كبير. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتلو:{اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم} قال: يا رسول الله ما عبدناهم. قال: ألم يحلوا لهم الحرام، ويحرموا لهم الحلال قال: بلى قال: فتلك عبادتهم إياهم.
ويدرك عدي بن حاتم أعماق هذا المعنى، فهو على الركوسية وهو يأخذ ربع الغنائم من قومه وهذا لا يحل له. ومع ذلك يفعله. وهو بهذه النقلة الجديدة ينتقل من دين البشر إلى دين الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن أجل ذلك كان إيمانه عميقا متغلغلا في كل ذرة من ذرات كيانه. وبقي على نهج الإسلام دون تعلثم أو تردد حتى لقي وجه ربه، وشهد كتائب الإيمان تفتح الأرض، ومدائن كسرى تهوي بين قدمي المسلمين، وشرفه الله تعالى بأن كان أحد القادة الذين حاصروا القصر الأبيض. وشهد بأم عينه الظعينة تمضي من القادسية إلى البيت الحرام لا تخشى إلا الله.
إن عظمة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت في كشف المخبوء من الخلل في دينه، من حيث الفكر، وكاث في تقديم القدوة بين يديه في الصورة البديلة، في مواصفات النبوة التي تعيش آلام الناس وحياتهم.
ومن هنا تدرك الجماعة المسلمة دورها الكبير في التعامل مع خصومها، بحيث تسبر أغوار