للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويمنع أي اعتداء يقع عليه، ويعطيه حرية التحرك والتفكير ولا يستطيع العدو أن ينال من هذا المستجير. ولو تم ذلك فإن هذا يعني أن حربا تقع بين الفريقين، ومن أجل هذا فالذي يعلن الإجارة، لا بد أن يكون عزيزا منيعا في قومه، قادرا على الحماية، ومدخلا في حسبانه كل المفاجآت الممكنة.

ولنتعرض إلى نماذج من هذه الإجارة.

لقد كانت الإجارة الأولى في المجتمع المكي هي إجارة أبي طالب لمحمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

يقول ابن إسحاق: (وحدب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمه أبو طالب ومنعه وقام دونه، ومضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أمر الله مظهرا لأمره لا يرده عنه شيء. فلما رأت قريش أن رسول الله لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه، من فراتهم وعيب آلهتهم، ورأوا أن عمه أبا طالب قد حدب عليه، وقام دونه فلم يسلمه لهم، مشى رجال إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلي بيننا وبينه؟ فقال لهم أبو طالب قولا رقيقا. وردهم ردا جميلا فانصرفوا عنه. ومضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما هو عليه، يظهر دين الله ويدعو إليه، ثم شري الأمر بينه وبيهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا، وأكثرت قريش ذكر رسول الله بينها. فتذامروا فيه، وحض بعضهم بعضا عليه.

ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى، فقالوا له: يا أبا طالب إن لك سنا ومنزلة وشرفا فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك حتى يهلك أحد الفريقين.

فبعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: يا بن أخي، إن قومك قد جاؤوني فقالوا لي كذا وكذا. للذي كانوا قالوا له - فابق علي وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق. فظن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قد بدا لعمه فيه بداء أنه خاذله وسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا عم

<<  <  ج: ص:  >  >>