وَبِالْوَقْتِ وَهُوَ يَوْمُ الْأَضْحَى لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِ، وَسَنُبَيِّنُ مِقْدَارَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَتَجِبُ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْوُجُوبِ عَلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَعَنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَنْ وَلَدِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَهُمَا مَوْجُودَانِ فِي الصَّغِيرِ وَهَذِهِ قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ. وَالْأَصْلُ فِي الْقُرَبِ أَنْ لَا تَجِبَ عَلَى الْغَيْرِ بِسَبَبِ الْغَيْرِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَنْ عَبْدِهِ وَإِنْ كَانَ يَجِبُ عَنْهُ صَدَقَةُ فِطْرِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ يُضَحِّي عَنْهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَلِلشَّافِعِيِّ ﵀ ﵏: يُضَحِّي مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، فَالْخِلَافُ فِي هَذَا كَالْخِلَافِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَقِيلَ لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، لِأَنَّ هَذِهِ الْقُرْبَةَ تَتَأَدَّى بِالْإِرَاقَةِ وَالصَّدَقَةُ بَعْدَهَا تَطَوُّعٌ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْكُلَ كُلَّهُ. وَالْأَصَحُّ أَنْ يُضَحِّيَ مِنْ مَالِهِ وَيَأْكُلَ مِنْهُ مَا أَمْكَنَهُ وَيَبْتَاعَ بِمَا بَقِيَ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ.
قَالَ (وَيَذْبَحُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةً أَوْ يَذْبَحُ بَقَرَةً أَوْ بَدَنَةً عَنْ سَبْعَةٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ، لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْقُرْبَةُ، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِالْأَثَرِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ ﵁ أَنَّهُ قَالَ «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ». وَلَا نَصَّ فِي الشَّاةِ، فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ. وَتَجُوزُ عَنْ
كَمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى وَهُوَ ضَعِيفٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ انْتَهَى
(قَوْلُهُ وَبِالْوَقْتِ وَهُوَ يَوْمُ الْأَضْحَى لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِ) أَقُولُ: هُنَا شَائِبَةُ مُصَادَرَةٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُ وَبِالْوَقْتِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْحُرِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ وَإِنَّمَا اخْتَصَّ الْوُجُوبُ بِالْحُرِّيَّةِ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى: وَإِنَّمَا اخْتَصَّ وُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ بِالْوَقْتِ الَّذِي هُوَ يَوْمُ الْأَضْحَى لِأَنَّهَا: أَيْ الْأُضْحِيَّةَ مُخْتَصَّةٌ بِهِ: أَيْ بِذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَئُولُ إلَى تَعْلِيلِ الِاخْتِصَاصِ بِالِاخْتِصَاصِ كَمَا تَرَى. لَا يُقَالُ: الْمَذْكُورُ فِي الْعِلَّةِ اخْتِصَاصُ الْأُضْحِيَّةِ نَفْسِهَا بِذَلِكَ الْوَقْتِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمُدَّعَى اخْتِصَاصُ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ فَاللَّازِمُ هُنَا تَعْلِيلُ اخْتِصَاصِ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ بِذَلِكَ الْوَقْتِ بِاخْتِصَاصِ نَفْسِ الْأُضْحِيَّةِ بِهِ وَلَا مُصَادَرَةَ فِيهِ. لِأَنَّا نَقُولُ: لَا مَعْنَى لِاخْتِصَاصِ الْأُضْحِيَّةِ بِذَلِكَ الْوَقْتِ سِوَى اخْتِصَاصِ وُجُوبِهَا بِهِ إذْ لَا شَكَّ فِي إمْكَانِ عَمَلِ التَّضْحِيَةِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِ أَنَّ وُجُوبَهَا مُخْتَصٌّ بِهِ فَيَلْزَمُ الْمَحْذُورُ الْمَذْكُورُ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي تَنَبَّهَ لِهَذَا حَيْثُ غَيَّرَ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا قَبْلُ فَقَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ وَإِنَّمَا اخْتَصَّ الْوُجُوبُ بِالْحُرِّيَّةِ إلَخْ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَالِيَّةٌ مُفْتَقِرَةٌ إلَى الْمِلْكِ وَالْحُرُّ هُوَ الْمَالِكُ ثُمَّ قَالَ: وَالْوَقْتِ لِاخْتِصَاصِهَا بِهِ فَاللَّازِمُ حِينَئِذٍ تَعْلِيلُ التَّقْيِيدِ بِالْوَقْتِ بِاخْتِصَاصِ الْأُضْحِيَّةِ بِذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَا مُصَادَرَةَ فِيهِ. فَإِنْ قُلْت: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا اخْتَصَّ الْوُجُوبَ بِالْحُرِّيَّةِ وَإِنَّمَا اخْتَصَّهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِالْحُرِّيَّةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ كَلِمَةُ
(اخْتَصَّ) مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ
(وَالْوُجُوبَ) مَفْعُولَهُ وَيَكُونُ مُرَادُهُ هُنَا بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِ أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِ فِي الشَّرْعِ، فَاللَّازِمُ تَعْلِيلُ تَخْصِيصِ الْقُدُورِيِّ وُجُوبَ الْأُضْحِيَّةِ بِالْوَقْتِ بِاخْتِصَاصِ الْأُضْحِيَّةِ فِي الشَّرْعِ بِذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَا مُصَادَرَةَ فِيهِ. قُلْت: فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مَعْنَى الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِمَنْزِلَةِ اللَّغْوِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ الِاخْتِصَاصِ الشَّرْعِيِّ، وَتَعْلِيلُ ذَلِكَ الِاخْتِصَاصِ كَمَا فَعَلَهُ بِاخْتِصَاصِهِ بِالْحُرِّيَّةِ وَبِالْإِسْلَامِ وَبِالْإِقَامَةِ وَبِالْيَسَارِ. وَعَلَى الْمَعْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute