مَا هُوَ ضِدُّ السَّهْوِ لَا التَّخْيِيرُ. وَالْعَتِيرَةُ مَنْسُوخَةٌ، وَهِيَ شَاةٌ تُقَامُ فِي رَجَبٍ عَلَى مَا قِيلَ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ الْوُجُوبُ بِالْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهَا وَظِيفَةٌ مَالِيَّةٌ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالْمِلْكِ، وَالْمَالِكُ هُوَ الْحُرُّ؛ وَبِالْإِسْلَامِ لِكَوْنِهَا قُرْبَةً، وَبِالْإِقَامَةِ لِمَا بَيَّنَّا، وَالْيَسَارِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ اشْتِرَاطِ السَّعَةِ؛ وَمِقْدَارُهُ مَا يَجِبُ بِهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَقَدْ مَرَّ فِي الصَّوْمِ،
- ﷺ «مَنْ تَرَكَ سُنَّتِي لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي» وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّرْكِ اعْتِقَادًا أَوْ التَّرْكِ أَصْلًا، فَإِنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ أَصْلًا حَرَامٌ قَدْ تَجِبُ الْمُقَاتَلَةُ بِهِ، لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْأَذَانِ وَلَا مُقَاتَلَةَ فِي غَيْرِ الْحَرَامِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا.
أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: ذَاكَ التَّأْوِيلُ مُحْتَمَلٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْحَدِيثِ أَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ﵊ " وَلَمْ يُضَحِّ " هُوَ تَرْكُ التَّضْحِيَةِ اعْتِقَادًا أَوْ تَرْكُهَا أَصْلًا فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْوُجُوبِ كَمَا لَا يَخْفَى، ثُمَّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَعُورِضَ بِقَوْلِهِ ﵊ «كُتِبَتْ عَلَيَّ الْأُضْحِيَّةُ وَلَمْ تُكْتَبْ عَلَيْكُمْ» وَقَوْلِهِ ﵊ «ضَحُّوا فَإِنَّهَا سُنَّةُ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ» وَبِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ﵄ كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ مَخَافَةَ أَنْ يَرَاهَا النَّاسُ وَاجِبَةً. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمَكْتُوبَةَ الْفَرْضُ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِأَنَّهَا غَيْرُ فَرْضٍ وَإِنَّمَا هِيَ وَاجِبَةٌ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ مُشْتَرِكُ الْإِلْزَامِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ " ضَحُّوا " أَمْرٌ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ، وَقَوْلُهُ " فَإِنَّهَا سُنَّةُ أَبِيكُمْ " أَيْ طَرِيقَتُهُ، فَالسُّنَّةُ هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمَسْلُوكَةُ فِي الدِّينِ. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ فِي حَالَةٍ الْإِعْسَارِ مَخَافَةَ أَنْ يَرَاهَا النَّاسُ وَاجِبَةً عَلَى الْمُعْسِرِينَ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِهِ الْجَوَابَ عَنْ الثَّانِي خَلَلٌ فَإِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مُشْتَرِكُ الْإِلْزَامِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ ضَحُّوا أَمْرًا وَكَانَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَجَازَ أَنْ تُحْمَلَ السُّنَّةُ فِي قَوْلِهِ " فَإِنَّهَا سُنَّةُ أَبِيكُمْ " عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَسْلُوكَةِ فِي الدِّينِ وَهِيَ تَعُمُّ الْوَاجِبَ أَيْضًا تَعَيَّنَ جَانِبُنَا وَلَمْ نَشْتَرِكْ فِي الْإِلْزَامِ قَطُّ، فَالصَّوَابُ فِي تَقْرِيرِ الْجَوَابِ عَنْ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَقَوْلُهُ ضَحُّوا دَلِيلُنَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ فَيُفِيدُ الْوُجُوبَ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّهَا سُنَّةُ أَبِيكُمْ لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ لِأَنَّ السُّنَّةَ هِيَ الطَّرِيقَةُ فِي الدِّينِ وَاجِبَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ وَاجِبَةٍ انْتَهَى.
وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى الْجَوَابِ عَنْ الْأَوَّلِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّهُ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ «ثَلَاثٌ كُتِبَتْ عَلَيَّ وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ» الْحَدِيثَ انْتَهَى. أَقُولُ: الْمَقْصُودُ مِنْ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ دَفْعُ مُعَارَضَةِ الْخَصْمِ بِقَوْلِهِ ﵊ «كُتِبَتْ عَلَيَّ الْأُضْحِيَّةُ وَلَمْ تُكْتَبْ عَلَيْكُمْ» وَلَا شَكَّ فِي انْدِفَاعِ تِلْكَ الْمُعَارَضَةِ بِالْجَوَابِ الْمَذْكُورِ، وَمَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ مِنْ رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ لَا يَقْدَحُ فِي تَمَامِ ذَلِكَ الْجَوَابِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مُعَارَضَةً أُخْرَى لِأَصْلِ الْمُدَّعَى، وَلَعَلَّ جُمْهُورَ الشُّرَّاحِ إنَّمَا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْجَوَابِ عَنْهُ أَصَالَةً لِكَوْنِهِ ضَعِيفًا غَيْرَ صَالِحٍ لِلْمُعَارَضَةِ لِمَا رَوَيْنَا، لِأَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ أَخْرَجَهُ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute