عَلَى الْمُقِيمِ لَوَجَبَتْ عَلَى الْمُسَافِرِ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ كَالزَّكَاةِ وَصَارَ كَالْعَتِيرَةِ.
وَوَجْهُ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ ﵊ «مَنْ وَجَدَ سَعَةً وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» وَمِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ لَا يَلْحَقُ بِتَرْكِ غَيْرِ الْوَاجِبِ، وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ يُضَافُ إلَيْهَا وَقْتُهَا. يُقَالُ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَذَلِكَ يُؤْذِنُ بِالْوُجُوبِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ وَهُوَ بِالْوُجُودِ، وَالْوُجُوبُ هُوَ الْمُفْضِي إلَى الْوُجُودِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى الْجِنْسِ، غَيْرَ أَنَّ الْأَدَاءَ يَخْتَصُّ بِأَسْبَابٍ يَشُقُّ عَلَى الْمُسَافِرِ اسْتِحْضَارُهَا وَيَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْجُمُعَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِرَادَةِ فِيمَا رُوِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ كَالزَّكَاةِ تَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ، بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ مَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ انْتَهَى.
وَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا هُوَ الْقُدْرَةُ الْمُيَسِّرَةُ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: وَهَذَا أَيْضًا سَاقِطٌ جِدًّا، لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ إنَّمَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ لَا بِهَلَاكِهِ بَعْدَ مُضِيِّهَا، حَتَّى لَوْ افْتَقَرَ بَعْدَ مُضِيِّهَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَيْنِهَا أَوْ بِقِيمَتِهَا كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ فِي الْمُؤَقَّتَاتِ الَّتِي يَفْضُلُ الْوَقْتُ عَنْ أَدَائِهَا كَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا إنَّمَا يَثْبُتُ آخِرَ الْوَقْتِ، إذْ هُنَا يَتَوَجَّهُ الْخِطَابُ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْآنَ يَأْثَمُ بِالتَّرْكِ لَا قَبْلَهُ، حَتَّى إذَا مَاتَ فِي الْوَقْتِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَالْأُضْحِيَّةُ مِنْ هَاتِيكَ الْمُؤَقَّتَاتِ فَتَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ وَقْتِهَا، وَلَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِهَا لِتَقَرُّرِ سَبَبِ وُجُوبِ أَدَائِهَا إذْ ذَاكَ، بَلْ يَلْزَمُ قَضَاؤُهَا بِالتَّصَدُّقِ بِعَيْنِهَا أَوْ بِقِيمَتِهَا، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ الْمُطْلَقَةِ دُونَ الْمُؤَقَّتَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ فَتَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ مُطْلَقًا: أَيْ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ لِاعْتِبَارِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ فِيهَا، وَمِنْ شَرْطِ تِلْكَ الْقُدْرَةِ بَقَاؤُهَا لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ لِئَلَّا يَنْقَلِبَ إلَى الْعُسْرِ كَمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، فَلَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَيْضًا هُوَ الْقُدْرَةُ الْمُيَسِّرَةُ لَزِمَ أَنْ تَسْقُطَ الْأُضْحِيَّةُ أَدَاءً وَقَضَاءً بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ أَيْضًا لِكَوْنِ دَوَامِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ شَرْطًا لَا مَحَالَةَ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ الْمَزْبُورِ بَيَانُ مُشَابَهَةِ الْأُضْحِيَّةِ بِالزَّكَاةِ فِي مُجَرَّدِ سُقُوطِهَا بِهَلَاكِ الْمَالِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لَا فِي السُّقُوطِ بِهَلَاكِهِ فِي كُلِّ حَالٍ. وَمِنْ الْبَيِّنِ فِيهِ قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ كَالزَّكَاةِ بِهَلَاكِ النِّصَابِ حَيْثُ قَيَّدَ هَلَاكَ الْمَالِ بِكَوْنِهِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ فِي سُقُوطِ الْأُضْحِيَّةِ، وَأَطْلَقَ هَلَاكَ النِّصَابِ فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ مَعَ وُضُوحِهِ كَيْفَ خَفِيَ عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ حَتَّى جَعَلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ كَالصَّرِيحِ فِي خِلَافِهِ
(قَوْلُهُ وَوَجْهُ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ ﵊ «مَنْ وَجَدَ سَعَةً وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» وَمِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ لَا يَلْحَقُ بِتَرْكِ غَيْرِ الْوَارِدِ) اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute