مِنْهَا وَادَّخِرُوا» وَمَتَى جَازَ أَكْلُهُ وَهُوَ غَنِيٌّ جَازَ أَنْ يُؤَكِّلَهُ غَنِيًّا
قَالَ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ الصَّدَقَةَ عَنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّ الْجِهَاتِ ثَلَاثَةٌ: الْأَكْلُ وَالِادِّخَارُ لِمَا رَوَيْنَا، وَالْإِطْعَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ فَانْقَسَمَ عَلَيْهَا أَثْلَاثًا.
قَالَ (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا (أَوْ يَعْمَلُ مِنْهُ آلَةً تُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْتِ) كَالنِّطْعِ وَالْجِرَابِ وَالْغِرْبَالِ وَنَحْوِهَا، لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ فِي الْبَيْتِ مَعَ بَقَائِهِ) اسْتِحْسَانًا، وَذَلِكَ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ لِلْبَدَلِ حُكْمَ الْمُبْدَلِ، (وَلَا يَشْتَرِي بِهِ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ كَالْخَلِّ وَالْأَبَازِيرِ) اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ.
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ، وَاللَّحْمُ بِمَنْزِلَةِ الْجِلْدِ فِي الصَّحِيحِ، فَلَوْ بَاعَ الْجِلْدَ أَوْ اللَّحْمَ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِمَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ، لِأَنَّ الْقُرْبَةَ انْتَقَلَتْ إلَى بَدَلِهِ، وَقَوْلُهُ ﵊ «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ» يُفِيدُ كَرَاهَةَ الْبَيْعِ، الْبَيْعُ جَائِزٌ لِقِيَامِ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ.
قَالَ (وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ) لِقَوْلِهِ ﵊ لِعَلِيٍّ ﵁ «تَصَدَّقْ بِجِلَالِهَا وَخِطَامِهَا وَلَا تُعْطِ أَجْرَ الْجَزَّارِ مِنْهَا شَيْئًا» وَالنَّهْيُ عَنْهُ نَهْيٌ عَنْ الْبَيْعِ أَيْضًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ.
قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُزَّ صُوفَ أُضْحِيَّتِهِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَهَا) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إقَامَةَ الْقُرْبَةِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ أُقِيمَتْ الْقُرْبَةُ بِهَا كَمَا فِي الْهَدْيِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَحْلُبَ لَبَنَهَا فَيَنْتَفِعَ بِهِ كَمَا فِي الصُّوفِ.
قَالَ (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ بِيَدِهِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الذَّبْحَ) وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُهُ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ، وَإِذَا اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَهَا بِنَفْسِهِ «لِقَوْلِهِ ﵊ لِفَاطِمَةَ ﵂ قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَك، فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ»
قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ
كَمَا إذَا ذَهَبَ رُبُعُهُمَا أَوْ ثُلُثُهُمَا أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَيَلْزَمُ جَمْعُ الْحُكْمَيْنِ الْمُتَضَادَّيْنِ تَأَمَّلْ تَقِفْ
(قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ الصَّدَقَةَ عَنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْجِهَاتِ ثَلَاثَةٌ: الْأَكْلُ وَالِادِّخَارُ لِمَا رَوَيْنَا، وَالْإِطْعَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ انْقَسَمَ عَلَيْهَا أَثْلَاثًا) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ وُجُوبُ الْإِطْعَامِ، وَالْمُدَّعَى اسْتِحْبَابُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الْجَوَابِ
(قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ فِي الْبَيْتِ مَعَ بَقَائِهِ اسْتِحْسَانًا، وَذَلِكَ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ لِلْبَدَلِ حُكْمَ الْمُبْدَلِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ ﵊ «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ» فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ بِإِطْلَاقِهِ بَيْعَ الْجِلْدِ بِمَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ مَعَ بَقَائِهِ أَيْضًا، وَالتَّعْلِيلُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ
(قَوْلُهُ وَلَا يَشْتَرِي بِهِ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ كَالْخَلِّ وَالْأَبَازِيرِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ) أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ اعْتِبَارَ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ غَيْرُ وَاضِحٍ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ مِمَّا لَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهَا أَصْلًا، أَيْ لَا مَعَ بَقَائِهَا