لِأَنَّهَا عُرِفَتْ شَرْعًا وَلَمْ تُنْقَلْ التَّضْحِيَةُ بِغَيْرِهَا مِنْ النَّبِيِّ ﵊ وَلَا مِنْ الصَّحَابَةِ ﵃. قَالَ (وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا. إلَّا الضَّأْنَ فَإِنَّ الْجَذَعَ مِنْهُ يُجْزِئُ) لِقَوْلِهِ ﵊ «ضَحُّوا بِالثَّنَايَا إلَّا أَنْ يُعْسِرَ عَلَى أَحَدِكُمْ فَلْيَذْبَحْ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ» وَقَالَ ﵊ «نِعْمَتْ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ» قَالُوا: وَهَذَا إذَا كَانَتْ عَظِيمَةً بِحَيْثُ لَوْ خُلِطَتْ بِالثُّنْيَانِ يَشْتَبِهُ عَلَى النَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ. وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ مَا تَمَّتْ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فِي مَذْهَبِ الْفُقَهَاءِ، وَذَكَرَ الزَّعْفَرَانِيُّ أَنَّهُ ابْنُ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ. وَالثَّنِيُّ مِنْهَا وَمِنْ الْمَعَزِ سَنَةٌ، وَمِنْ الْبَقَرِ ابْنُ سَنَتَيْنِ، وَمِنْ الْإِبِلِ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ، وَيَدْخُلُ فِي الْبَقَرِ الْجَامُوسُ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَالْمَوْلُودُ بَيْنَ الْأَهْلِيِّ وَالْوَحْشِيِّ يَتْبَعُ الْأُمَّ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ فِي التَّبَعِيَّةِ، حَتَّى إذَا نَزَا الذِّئْبُ عَلَى الشَّاةِ يُضَحَّى بِالْوَلَدِ.
قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى سَبْعَةٌ بَقَرَةً لِيُضَحُّوا بِهَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ النَّحْرِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ اذْبَحُوهَا عَنْهُ وَعَنْكُمْ أَجْزَأَهُمْ، وَإِنْ كَانَ شَرِيكُ السِّتَّةِ نَصْرَانِيًّا أَوْ رَجُلًا يُرِيدُ اللَّحْمَ لَمْ يُجْزِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) وَوَجْهُهُ أَنَّ الْبَقَرَةَ تَجُوزُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَلَكِنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ قَصْدُ الْكُلِّ الْقُرْبَةَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ جِهَاتُهَا كَالْأُضْحِيَّةِ وَالْقِرَانِ وَالْمُتْعَةِ عِنْدَنَا لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْقُرْبَةُ، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الضَّحِيَّةَ عَنْ الْغَيْرِ عُرِفَتْ قُرْبَةً؛ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ ضَحَّى عَنْ أَمَتِهِ عَلَى مَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَكَذَا قَصْدُ اللَّحْمِ يُنَافِيهَا. وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْبَعْضُ قُرْبَةً وَالْإِرَاقَةُ لَا تَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الْقُرْبَةِ لَمْ يَقَعْ الْكُلُّ أَيْضًا فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالْإِتْلَافِ فَلَا يَجُوزُ عَنْ غَيْرِهِ كَالْإِعْتَاقِ عَنْ الْمَيِّتِ، لَكِنَّا نَقُولُ: الْقُرْبَةُ قَدْ تَقَعُ عَنْ الْمَيِّتِ كَالتَّصَدُّقِ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامَ الْوَلَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ (فَلَوْ ذَبَحُوهَا عَنْ صَغِيرٍ فِي الْوَرَثَةِ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ جَازَ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ قُرْبَةٌ (وَلَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَذَبَحَهَا الْبَاقُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ لَا تُجْزِيهِمْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بَعْضُهَا قُرْبَةً، وَفِيمَا تَقَدَّمَ وُجِدَ الْإِذْنُ مِنْ الْوَرَثَةِ فَكَانَ قُرْبَةً.
قَالَ (وَيَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَيُطْعِمُ الْأَغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءَ وَيَدَّخِرُ) لِقَوْلِهِ ﵊ «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَكُلُوا
الْكَثْرَةِ، فَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ تَطْبِيقُ كُلٍّ مِنْ الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى عِبَارَةِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، قُلْت: شَرْطُ اسْتِعْمَالِ صِيغَةِ التَّفْضِيلِ مُجَرَّدَةً عَنْ مَعْنَى التَّفْضِيلِ أَنْ تَكُونَ عَارِيَّةً عَنْ اللَّامِ وَالْإِضَافَةِ وَمِنْ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ.
وَفِي عِبَارَةِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَقَعَتْ مُضَافَةً فَلَا يَصِحُّ تَجْرِيدُهَا عَنْ مَعْنَى التَّفْضِيلِ عَلَى قَاعِدَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَئِنْ أَغْمَضْنَا عَنْ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ بَقَاءً وَذَهَابًا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُحْمَلَ الْأَكْثَرُ عَلَى الْكَثِيرِ الْمُطْلَقِ، إذْ لَوْ كَانَ لِلْكَثِيرِ مُطْلَقًا حُكْمُ الْكُلِّ بَقَاءً وَذَهَابًا لَزِمَ أَنْ يُعْتَبَرَ الْأُذُنُ وَالذَّنَبُ بَاقِيًا وَذَاهِبًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَاقِي وَالذَّاهِبِ مِنْهُمَا كَثِيرًا فِي نَفْسِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute