قَالَ (وَإِذَا زَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ الذِّمِّيُّ ابْنَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ أَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى لَهَا لَمْ يَجُزْ) مَعْنَاهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهَا لِأَنَّ الرِّقَّ وَالْكُفْرَ يَقْطَعَانِ الْوِلَايَةَ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْمَرْقُوقَ لَا يَمْلِكُ إنْكَاحَ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَمْلِكُ إنْكَاحَ غَيْرِهِ، وَكَذَا الْكَافِرُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ حَتَّى لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْوِيضِ إلَى الْقَادِرِ الْمُشْفِقِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى النَّظَرِ، وَالرِّقُّ يُزِيلُ الْقُدْرَةَ وَالْكُفْرُ يَقْطَعُ الشَّفَقَةَ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَا تُفَوَّضُ إلَيْهِمَا
الْبِيَاعَاتِ الِاسْتِرْبَاحُ، وَالْعَادَةُ جَرَتْ فِي الْوِكَالَةِ أَنْ يُوَكِّلَ الْأَهْدَى فِي تَحْصِيلِ الْأَرْبَاحِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي التَّوْكِيلِ بِتَقْدِيرِ ثَمَنٍ صَالِحٍ لِزِيَادَةِ الرِّبْحِ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِتَقْدِيرِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يُبَالِي بِنِيَابَةِ الْآخَرِ عَنْهُ فِي مُجَرَّدِ الْعِبَارَةِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ.
أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: اخْتِيَارُ الْمُشْتَرِي الَّذِي لَا يُمَاطِلُ فِي تَسْلِيمِ الثَّمَنِ مِنْ مُهِمَّاتِ الْبِيَاعَاتِ وَمُعْظَمَاتِ أُمُورِهَا أَيْضًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ وَالْبَدَلُ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا، وَلَكِنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي، فَكَيْفَ يَتِمُّ أَنْ يُقَالَ هَاهُنَا: فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يُبَالِي بِنِيَابَةِ الْآخَرِ عَنْهُ فِي مُجَرَّدِ الْعِبَارَةِ
(قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَإِذَا زَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ الذِّمِّيُّ ابْنَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ أَوْ بَاعَ) أَيْ أَوْ بَاعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ (أَوْ اشْتَرَى لَهَا) أَيْ الصَّغِيرَةِ الْمَوْصُوفَةِ الْمَذْكُورَةِ (لَمْ يَجُزْ) أَيْ لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ الْمَذْكُورَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ: أَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى لَهَا (التَّصَرُّفُ فِي مَالِهَا) أَيْ فِي مَالِ الصَّغِيرَةِ الْمَذْكُورَةِ بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ، وَإِنَّمَا احْتَاجَ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ اشْتَرَى لَهَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدَهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا شَيْئًا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَالْآخَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا بِمَالِهَا. وَلَمَّا كَانَ الْأَوَّلُ جَائِزًا لَا مَحَالَةَ كَانَ الْمُرَادُ هَاهُنَا هُوَ الثَّانِي.
وَقَالَ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ (لِأَنَّ الرِّقَّ وَالْكُفْرَ يَقْطَعَانِ الْوِلَايَةَ) يَعْنِي أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الْمَذْكُورَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَالرِّقُّ فِي الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ، وَالْكُفْرُ فِي الذِّمِّيِّ يَقْطَعَانِ الْوِلَايَةَ (أَلَا يَرَى أَنَّ الْمَرْقُوقَ لَا يَمْلِكُ إنْكَاحَ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَمْلِكُ إنْكَاحَ غَيْرِهِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، لِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْمُتَعَدِّيَةَ فَرْعُ الْوِلَايَةِ الْقَاصِرَةِ (وَكَذَا الْكَافِرُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا﴾ (حَتَّى لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ) أَيْ شَهَادَةُ الْكَافِرِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُسْلِمِ (وَلِأَنَّ هَذِهِ) أَيْ هَذِهِ الْوِلَايَةَ (وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ) أَيْ وِلَايَةٌ ثَابِتَةٌ نَظَرًا لِلضُّعَفَاءِ وَالصِّغَارِ لِعَجْزِهِمْ (فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْوِيضِ) أَيْ تَفْوِيضِ هَذِهِ الْوِلَايَةِ (إلَى الْقَادِرِ الْمُشْفِقِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى النَّظَرِ) بِالْقُدْرَةِ وَالشُّفْعَةِ (وَالرِّقُّ يُزِيلُ الْقُدْرَةَ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ﴾ (وَالْكُفْرُ يَقْطَعُ الشَّفَقَةَ عَلَى الْمُسْلِمِ) كَمَا لَا يَخْفَى (فَلَا تُفَوَّضُ إلَيْهِمَا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute