(وَإِنْ عَقَدَ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّهُ فَاتَ رَأْيَهُ إلَّا أَنْ يُبْلِغَهُ فَيُجِيزَهُ (وَكَذَا لَوْ بَاعَ غَيْرُ الْوَكِيلِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَهُ) لِأَنَّهُ حَضَرَ رَأْيُهُ (وَلَوْ قَدَّرَ الْأَوَّلُ الثَّمَنَ لِلثَّانِي فَعَقَدَ بِغِيبَتِهِ يَجُوزُ) لِأَنَّ الرَّأْيَ فِيهِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَاهِرًا وَقَدْ حَصَلَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ وَقَدَّرَ الثَّمَنَ، لِأَنَّهُ لَمَا فَوَّضَ إلَيْهِمَا مَعَ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَهَرَ أَنَّ غَرَضَهُ اجْتِمَاعُ رَأْيِهِمَا فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يُقَدِّرْ الثَّمَنَ وَفَوَّضَ إلَى الْأَوَّلِ كَانَ غَرَضُهُ رَأْيَهُ فِي مُعْظَمِ الْأَمْرِ وَهُوَ التَّقْدِيرُ فِي الثَّمَنِ.
إنَّمَا رَضِيَ بِلُزُومِ الْعُهْدَةِ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْعُهْدَةُ عَلَى الثَّانِي إذْ السَّبَبُ وَهُوَ الْعَقْدُ وُجِدَ مِنْ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي كَالْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ، حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ الْأَوَّلُ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِمَوْتِهِ، وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ الثَّانِي وَهُوَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: ثُمَّ إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ حَتَّى جَازَ فَالْعُهْدَةُ عَلَى مَنْ؟ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ ﵀ هَذَا الْفَصْلَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ فِي فَتَاوَاهُ أَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ، وَفِي حِيَلِ الْأَصْلِ وَالْعُيُونِ أَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الثَّانِي انْتَهَى. وَقَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: فَإِنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ فَبَاعَ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ جَازَ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى (وَإِنْ عَقَدَ) أَيْ الْوَكِيلُ الثَّانِي (فِي حَالِ غِيبَتِهِ) أَيْ فِي حَالِ غِيبَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (لَمْ يَجُزْ) أَيْ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ (لِأَنَّهُ فَاتَ رَأْيَهُ) أَيْ رَأْيَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ حُضُورُ رَأْيِهِ (إلَّا أَنْ يَبْلُغَهُ) أَيْ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ خَبَرُ عَقْدِ الْوَكِيلِ الثَّانِي الْوَكِيلَ الْأَوَّلَ (فَيُجِيزَهُ) أَيْ فَيُجِيزَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ ذَلِكَ الْعَقْدَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِتَحَقُّقِ رَأْيِهِ (وَكَذَا لَوْ بَاعَ غَيْرُ الْوَكِيلِ) أَيْ وَكَذَا يَجُوزُ لَوْ بَاعَ الْأَجْنَبِيُّ (فَبَلَغَهُ) أَيْ فَبَلَغَ خَبَرُ الْبَيْعِ الْوَكِيلَ (فَأَجَازَهُ) أَيْ فَأَجَازَ الْبَيْعَ بَعْدَ بُلُوغِ الْخَبَرِ (لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُهُ) أَيْ بِإِجَازَتِهِ (وَلَوْ قَدَّرَ الْأَوَّلُ) أَيْ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ (الثَّمَنَ) أَيْ ثَمَنَ مَا أُمِرَ بِبَيْعِهِ (لِلثَّانِي) أَيْ لِلْوَكِيلِ الثَّانِي الَّذِي وَكَّلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلِهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ بِعْهُ بِكَذَا (فَعَقَدَ بِغِيبَتِهِ) أَيْ فَعَقَدَ الثَّانِي بِذَلِكَ الثَّمَنِ الْمُقَدَّرِ بِغِيبَةِ الْأَوَّلِ (يَجُوزُ) أَيْ الْعَقْدُ (لِأَنَّ الرَّأْيَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهِ لِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَاهِرًا) إنَّمَا قَالَ ظَاهِرًا احْتِرَازًا عَمَّا إذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ وَقَدَّرَ الثَّمَنَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (وَقَدْ حَصَلَ) أَيْ وَقَدْ حَصَلَ تَقْدِيرُ الثَّمَنِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ بِالرَّأْيِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ رِوَايَةُ كِتَابِ الرَّهْنِ اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْوِكَالَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الثَّمَنِ إنَّمَا يَمْنَعُ النُّقْصَانَ لَا الزِّيَادَةَ، فَلَوْ بَاشَرَ الْأَوَّلُ رُبَّمَا بَاعَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ لِذَكَاتِهِ وَهِدَايَتِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ وَقَدَّرَ الثَّمَنَ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ (لِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ إلَيْهِمَا) أَيْ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمَّا فَوَّضَ الرَّأْيَ إلَى الْوَكِيلَيْنِ (مَعَ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَهَرَ أَنَّ غَرَضَهُ اجْتِمَاعُ رَأْيِهِمَا فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي) الَّذِي لَا يُمَاطِلُ فِي تَسْلِيمِ الثَّمَنِ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَالْبَدَلُ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا، وَلَكِنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي (أَمَّا إذَا لَمْ يُقَدِّرْ) أَيْ الْمُوَكِّلُ (الثَّمَنَ وَفَوَّضَ إلَى الْأَوَّلِ) أَيْ وَفَوَّضَ الرَّأْيَ إلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (كَانَ غَرَضُهُ) أَيْ غَرَضُ الْمُوَكِّلِ (رَأْيَهُ) أَيْ رَأْيَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (فِي مُعْظَمِ الْأَمْرِ) أَيْ مُعْظَمِ أَمْرِ عَقْدِ الْبَيْعِ (وَهُوَ التَّقْدِيرُ فِي الثَّمَنِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute