للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَكَلَّمُوا فِي حُقُوقِهِ

ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ جَازَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ لِلْجَوَازِ إجَازَةَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي وِكَالَةِ الْأَصْلِ فِي مَوْضِعٍ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ وِكَالَةِ الْأَصْلِ وَشَرْطِ إجَازَتِهِ فَقَالَ: إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الثَّانِي وَالْوَكِيلُ الْأَوَّلُ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ جَازَ. وَحَكَى عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَلَكِنْ مَا ذَكَرَ مُطْلَقًا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا بَاعَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَجَازَ، فَكَانَ يَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَهَذَا لِأَنَّ تَوْكِيلَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ صَارَ وُجُودِ هَذَا التَّوْكِيلِ وَعَدَمِهِ بِمَنْزِلَةٍ، وَلَوْ عَدِمَ التَّوْكِيلَ مِنْ الْأَوَّلِ حَتَّى بَاعَهُ هَذَا الرَّجُلَ وَالْوَكِيلُ غَائِبٌ أَوْ حَاضِرٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَقْدُ هَذَا الْفُضُولِيِّ إلَّا بِإِجَازَتِهِ، لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لِبَيْعِ الْفُضُولِيِّ لَا تَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ لِكَوْنِ السُّكُوتِ مُحْتَمَلًا، كَذَا هَاهُنَا. وَمَتَى أَجَازَ فَإِنَّمَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ فَيَمْلِكُ إجَارَتَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ رِوَايَتَيْنِ. وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْأَوَّلِ أَنَّ بَيْعَ الثَّانِي حَالَ غَيْبَةِ الْأَوَّلِ إنَّمَا لَا يَصِحُّ لِتَعَرِّي الْعَقْدِ عَنْ رَأْيِ الْأَوَّلِ، وَمَتَى بَاعَ بِحَضْرَتِهِ فَقَدْ حَضَرَ هَذَا الْعَقْدَ رَأْيُ الْأَوَّلِ، وَعَلَى هَذَا أَحَدُ وَكِيلَيْ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ إذَا أَمَرَ صَاحِبَهُ بِالْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ فَبَاعَ بِحَضْرَتِهِ، فِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَتِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ إجَازَتِهِ انْتَهَى، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ كَمَا هُوَ دَأَبُهُ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ.

قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا فِيمَا نَقَلَ عَنْ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْوَكِيلُ الْأَوَّلُ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ، فَأَجَازَ الْوَكِيلُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ نَصًّا فِي اشْتِرَاطِ الْإِجَازَةِ لِلْحَاضِرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فَأَجَازَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ أَوْ غَائِبٌ فَقَطْ، أَمَّا فِي تَعْلِيلِهِمْ فَلِأَنَّهُ مُعَارِضٌ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الرَّأْيُ وَقَدْ حَضَرَ كَمَا ذَكَرَهُ انْتَهَى. وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ نَظَرِهِ فِيمَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الثَّانِي إلَخْ فَيَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِكُلٍّ مِنْهُمَا. نَعَمْ لَوْ كَانَتْ الْعِبَارَةُ وَأَجَازَ بِالْوَاوِ فَيَجُوزُ كَوْنُهَا حَالِيَّةً لَاحْتَمَلَ مَا ذَكَرَهُ انْتَهَى. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ لِلسَّبَبِيَّةِ لَا لِلْعَطْفِ، كَمَا فِي قَوْلِك: زَيْدٌ فَاضِلٌ فَأَكْرِمْهُ، وَنَحْوُ الَّذِي يَطِيرُ فَيَغْضَبَ زَيْدٌ الذُّبَابُ عَلَى مَا ذَكَرُوا فِي مَوْضِعِهِ؛ وَلَئِنْ سَلِمَ كَوْنُهَا لِلْعَطْفِ وَكَوْنُ قَوْلِهِ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الثَّانِي إلَخْ فَلَا يَسْلَمُ كَوْنُ قَوْلِهِ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ مُتَعَلِّقًا بِكُلٍّ مِنْ قَيْدَيْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ: أَعْنِي قَوْلَهُ وَالْوَكِيلُ الْأَوَّلُ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ أَنَّ الْعَطْفَ عَلَى مُقَيَّدٍ بِشَيْءٍ إنَّمَا يُوجِبُ تَقْيِيدَ الْمَعْطُوفِ بِذَلِكَ الشَّيْءِ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَيْدُ مُقَدَّمًا عَلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، كَمَا فِي قَوْلِنَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ سِرْت وَضَرَبْت زَيْدًا، وَقَوْلِنَا إنْ جِئْتنِي أُعْطِك وَأَكْسُك، وَأَمَّا فِيمَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ فَلَا يُوجِبُ تَقْيِيدَهُ بِذَلِكَ فِي شَيْءٍ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ أَنْ يَتَقَيَّدَ الْمَعْطُوفُ بِقَيْدَيْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بَلْ جَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَطْ.

ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَعَلَّ الصَّوَابَ أَنَّ الْإِجَازَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ عَقْدِ وَكِيلِ الْوَكِيلِ عِنْدَ حُضُورِهِ وَشَرْطٌ لِصِحَّةِ عَقْدِ أَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ وَكِيلَ الْوَكِيلِ لَمَّا كَانَ يَتَصَرَّفُ بِتَوْكِيلِهِ وَرِضَاهُ بِالتَّصَرُّفِ كَانَ سُكُوتُهُ رِضًا لَا مَحَالَةَ، وَأَمَّا أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَلَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُ رِضًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ غَيْظًا مِنْهُ عَلَى اسْتِبْدَادِهِ بِالتَّصَرُّفِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ مِنْ صَاحِبِهِ انْتَهَى قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَتَكَلَّمُوا فِي حُقُوقِهِ) أَيْ فِي حُقُوقِ عَقْدِ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ: يَعْنِي إذَا بَاعَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ حَتَّى جَازَ فَالْعُهْدَةُ عَلَى مَنْ تَكُونُ؟ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَتَكَلَّمَ الْمَشَايِخُ فِيهِ.

قَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ: مِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْعُهْدَةُ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>