للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (فَإِنْ وَكَّلَ بِغَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلِهِ فَعَقَدَ وَكِيلُهُ بِحَضْرَتِهِ جَازَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُضُورُ رَأْيِ الْأَوَّلِ وَقَدْ حَضَرَ

الْكَلَامَ فِي قَوْلِهِ كَمَا فِي الْوِكَالَةِ مَعَ أَنَّ نَظِيرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا إنَّمَا هُوَ مَا تَرَكُوهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ هُنَاكَ بَعْدَ ذِكْرِ مَا ذَكَرُوهُ: وَإِذَا فُوِّضَ إلَيْهِ يَمْلِكُهُ يَصِيرُ الثَّانِي نَائِبًا عَنْ الْأَصْلِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ، وَكَأَنَّهُمْ إنَّمَا اغْتَرُّوا بِمَا فِي قَوْلِهِ كَمَا فِي الْوِكَالَةِ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْوِكَالَةِ، لَكِنَّ مُرَادَهُ بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ التَّشْبِيهُ بِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إنْ وَكَّلَ بِغَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلِهِ فَعَقَدَ وَكِيلُهُ بِحَضْرَتِهِ جَازَ لَا التَّشْبِيهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى.

بَقِيَ هَاهُنَا بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ ظَاهِرٌ فِي صُورَةِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ فِي التَّوْكِيلِ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُ فِي ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْإِذْنَ لَهُ فِي الْعَزْلِ أَيْضًا، وَأَمَّا فِي صُورَةِ أَنْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ قَوْلَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك تَوْكِيلٌ عَامٌّ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ تَوْكِيلُ الْوَكِيلِ غَيْرَهُ، وَأَنَّهُ إثْبَاتُ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ لِلْوَكِيلِ فَيَمْلِكُ تَوْكِيلَ غَيْرِهِ كَالْمَالِكِ، فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ عَزْلَ الْوَكِيلِ الثَّانِي أَيْضًا بِعُمُومِ وِكَالَتِهِ عَنْ الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ، وَبِكَوْنِهِ كَالْمَالِكِ بِإِثْبَاتِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ لَهُ، كَمَا أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْقَضَاءِ وَأَنْ يَعْزِلَ عَنْهُ إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ النَّصْبُ وَالْعَزْلُ مِنْ قِبَلِ الْخَلِيفَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَحَلِّهِ.

وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ حَيْثُ قَالَ: رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ وَقَالَ لَهُ مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ غَيْرَهُ جَازَ تَوْكِيلُهُ، وَيَكُونُ الْوَكِيلُ الثَّانِي وَكِيلَ الْمُوَكَّلِ الْأَوَّلِ لَا وَكِيلَ الْوَكِيلِ، حَتَّى لَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ أَوْ عُزِلَ أَوْ جُنَّ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ الثَّانِي؛ وَلَوْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ الْأَوَّلُ أَوْ جُنَّ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ لَحِقَ بِدَارٍ الْحَرْبِ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلَانِ، وَلَوْ عَزَلَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ جَازَ عَزْلُهُ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ الْأَوَّلَ رَضِيَ بِصَنِيعِ الْأَوَّلِ وَعَزْلُ الْأَوَّلِ الثَّانِي مِنْ صَنِيعِ الْأَوَّلِ، إلَى هَاهُنَا كَلَامُهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ الْأَوَّلَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَيْضًا رَضِيَ بِعَمَلِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ بِرَأْيِهِ، وَأَنَّ عَزْلَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ الثَّانِيَ مِنْ عَمَلِهِ بِرَأْيِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عَزْلُهُ إيَّاهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مُشْكِلٌ دُونَهُ خَرْطُ الْقَتَادِ

(قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (فَإِنْ وَكَّلَ) أَيْ الْوَكِيلُ (بِغَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلِهِ فَعَقَدَ وَكِيلُهُ) أَيْ وَكِيلُ الْوَكِيلِ (بِحَضْرَتِهِ) أَيْ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (جَازَ) أَيْ جَازَ الْعَقْدُ (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ) أَيْ مَقْصُودَ الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ (حُضُورُ رَأْيِ الْأَوَّلِ) أَيْ حُضُورُ رَأْيِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (وَقَدْ حَضَرَ) أَيْ وَقَدْ حَضَرَ رَأْيُهُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فَحَصَلَ مَقْصُودُهُ فَجَازَ الْعَقْدُ.

قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ هُنَاكَ بِمُجَرَّدِ حَضْرَةِ صَاحِبِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِجَازَةِ صَرِيحًا كَمَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ. قُلْت: مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ أَنَّ عَقْدَ وَكِيلِ الْوَكِيلِ جَائِزٌ عِنْدَ حَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَجَازَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ عَقْدَ الْوَكِيلِ الثَّانِي لَا مُطْلَقَ الْحَضْرَةِ.

هَكَذَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>