للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَمَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ أَوْ طَعَامٍ فَوَجَدَ ثَمَّةَ لَعِبًا أَوْ غِنَاءً فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْعُدَ وَيَأْكُلَ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : اُبْتُلِيت بِهَذَا مَرَّةً فَصَبَرْت. وَهَذَا لِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ. قَالَ «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» فَلَا يَتْرُكُهَا لِمَا اقْتَرَنَ بِهَا مِنْ الْبِدْعَةِ مِنْ غَيْرِهِ، كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَاجِبَةُ الْإِقَامَةِ وَإِنْ حَضَرَتْهَا نِيَاحَةٌ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَنْعِ مَنَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ يَصْبِرْ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُقْتَدًى بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُقْتَدًى وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِمْ يَخْرُجُ وَلَا يَقْعُدُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ شِينُ الدِّينِ وَفَتْحُ بَابِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَحْكِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْكِتَابِ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُقْتَدًى بِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمَائِدَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْعُدَ،

سُقُوطَ احْتِمَالِ الْكَذِبِ مَعَ مُجَرَّدِ الْعَدَالَةِ بِدُونِ أَنْ يَصِلَ حَدُّ التَّوَاتُرِ. كَيْفَ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي عِلْمِ الْأُصُولِ بِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ وَإِنْ كَانَ صَحَابِيًّا لَا يُوجِبُ الْيَقِينَ، بَلْ احْتِمَالُ الْكَذِبِ قَائِمٌ، وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا، وَإِلَّا لَزِمَ الْقَطْعُ بِالنَّقِيضَيْنِ عِنْدَ إخْبَارِ الْعَدْلَيْنِ بِهِمَا وَلِهَذَا قَالُوا إنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا غَلَبَةَ الظَّنِّ دُونَ الْيَقِينِ، وَيُوَافِقُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْعَدَالَةِ الصِّدْقُ رَاجِحٌ وَالْقَبُولُ لِرُجْحَانِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي قَوْلِهِ وَمَعَ الْعَدَالَةِ يَسْقُطُ احْتِمَالُ الْكَذِبِ هُوَ الِاحْتِمَالُ الظَّاهِرُ الَّذِي يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا دُونَ مُطْلَقِ الِاحْتِمَالِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: وَمَعَ الْعَدَالَةِ سَقَطَ احْتِمَالُ الْكَذِبِ شَرْعًا؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الِانْزِجَارِ عَنْ الْمَعَاصِي وَالْكَذِبِ مِنْهَا فَكَانَ مُنْزَجِرًا عَنْهُ انْتَهَى. فَإِنْ قُلْت: إذَا بَقِيَ احْتِمَالُ مَا لِلْكَذِبِ فِي الْعَدَالَةِ فَمَا مَعْنَى لِلِاحْتِيَاطِ بِالْإِرَاقَةِ. قُلْت: مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلِاحْتِيَاطِ بِالْإِرَاقَةِ فِي صُورَةِ الْعَدَالَةِ احْتِيَاطًا بِهَا مِثْلَ الِاحْتِيَاطِ بِهَا فِي صُورَةِ التَّحَرِّي فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ أَوْ الْمَسْتُورِ. فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ مُفَادُ خَبَرِ الْعُدُولِ هُوَ الظَّنُّ دُونَ الْيَقِينِ فَمَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ، وَأَمَّا التَّحَرِّي فَمُجَرَّدُ ظَنٍّ؟ قُلْت: مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُجَرَّدُ تَخْمِينٍ وَظَنٍّ لَا غَلَبَةِ ظَنٍّ، بِخِلَافِ عَدَالَةِ الْمُخْبِرِ فَإِنَّ الْحَاصِلَ هُنَاكَ غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَهِيَ أَقْوَى مِنْ الْأَوَّلِ فَافْتَرَقَا

(قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَى سُنَّةٌ. قَالَ «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» فَلَا يَتْرُكُهَا لِمَا اقْتَرَنَ بِهَا مِنْ الْبِدْعَةِ مِنْ غَيْرِهِ، كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَاجِبَةُ الْإِقَامَةِ، وَإِنْ حَضَرَتْهَا نِيَاحَةٌ) قِيلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قِيَاسُ السُّنَّةِ عَلَى الْفَرْضِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحَمُّلِ الْمَحْذُورِ لِإِقَامَةِ الْفَرْضِ تَحَمُّلُهُ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ لِوُرُودِ الْوَعِيدِ عَلَى تَارِكِهَا، قَالَ «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ. أَقُولُ: الْجَوَابُ مَنْظُورٌ فِيهِ، لِأَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ إنَّهَا سُنَّةٌ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ أَنَّهَا مِثْلُ الْوَاجِبِ فِي الْأَحْكَامِ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ قَوْلُ صَاحِبَيْ النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى وِفَاقِ مَا يَثْبُتُ فِي الْوَاجِبِ، فَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى قَوَاعِدِ عِلْمِ الْأُصُولِ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِيهِ كَوْنُ السُّنَّةِ قَسِيمًا لِلْوَاجِبِ وَمُغَايِرَةً لَهُ فِي الْأَحْكَامِ حَيْثُ صَرَّحُوا فِيهِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ مِمَّا كَانَ فِعْلُهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ مَعَ مَنْعِ تَرْكِهِ، وَالسُّنَّةَ مِمَّا كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>