وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ أَمَرَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَبَثٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَضِ الصَّحِيحِ وَهُوَ التَّذَكُّرُ عَنْدَ النِّسْيَانِ.
فَصْلٌ فِي الْوَطْءِ وَالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ
قَالَ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ ﵄؛ مَا ظَهَرَ مِنْهَا الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ، وَالْمُرَادُ مَوْضِعُهُمَا وَهُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفُّ، كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالزِّينَةِ الْمَذْكُورَةِ مَوْضِعُهَا، وَلِأَنَّ فِي إبْدَاءِ الْوَجْهِ وَالْكَفِّ ضَرُورَةً لِحَاجَتِهَا إلَى الْمُعَامَلَةِ مَعَ الرِّجَالِ أَخْذًا وَإِعْطَاءً وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى قَدِمَهَا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ
(فَصْلٌ فِي الْوَطْءِ وَالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ)
لَا يَذْهَبُ عَلَى النَّاظِرِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ مِنْهَا بِالْوَطْءِ إنَّمَا هِيَ مَسْأَلَةُ جَوَازِ الْعَزْلِ عَنْ أَمَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَعَدَمُ جَوَازِ ذَلِكَ فِي الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا، وَأَنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ مَعَ كَوْنِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا بَيَانَ مَحَلِّ جَوَازِ الْعَزْلِ وَغَيْرِ مَحَلِّهِ لَا بَيَانَ حَالِ الْوَطْءِ نَفْسِهِ، قَدْ ذُكِرَتْ فِي آخِرِ هَذَا الْفَصْلِ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذِكْرَ الْوَطْءِ فِي عِنْوَانِ الْفَصْلِ أَيْضًا فَيُقَالُ: فَصْلٌ فِي النَّظَرِ وَاللَّمْسِ وَالْوَطْءِ عَلَى تَرْتِيبِ ذِكْرِ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ كَمَا وَقَعَ فِي الْكَافِي.
وَالْأَنْسَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُبَدِّلَ الْوَطْءَ بِالْعَزْلِ فِي التَّعْبِيرِ بَعْدَ التَّأْخِيرِ لِيَحْصُلَ تَمَامُ الْمُوَافَقَةِ بَيْنَ عِنْوَانِ الْفَصْلِ وَمَسَائِلِهِ. ثُمَّ إنَّ مَسَائِلَ النَّظَرِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الْمَرْأَةِ، وَنَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ، وَنَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ، وَنَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ: وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَيْضًا: نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ الْحُرَّةِ، وَنَظَرِهِ إلَى مَنْ يَحِلُّ لَهُ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ، وَنَظَرِهِ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ، وَنَظَرِهِ إلَى أَمَةِ الْغَيْرِ.
فَبَدَأَ فِي الْكِتَابِ بِأَوَّلِ الْأَقْسَامِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: مَا ظَهَرَ مِنْهَا الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ، وَالْمُرَادُ مَوْضِعُهُمَا وَهُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفُّ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ نَقْلِ قَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ الِاسْتِدْلَال عَلَى جَوَازِ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَفَّيْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute