للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُبَاحُ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَعْضَ الضَّرُورَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى ذِرَاعِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبْدُو مِنْهَا عَادَةً قَالَ (فَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ الشَّهْوَةَ لَا يَنْظُرُ إلَى وَجْهِهَا إلَّا لِحَاجَةٍ) لِقَوْلِهِ «مَنْ نَظَرَ إلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْ شَهْوَةٍ صُبَّ فِي عَيْنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَإِذَا خَافَ الشَّهْوَةَ لَمْ يَنْظُرْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ تَحَرُّزًا عَنْ الْمُحَرَّمِ. وَقَوْلُهُ لَا يَأْمَنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إذَا شَكَّ فِي الِاشْتِهَاءِ كَمَا إذَا عَلِمَ أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ ذَلِكَ

(وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَمَسَّ وَجْهَهَا وَلَا كَفَّيْهَا وَإِنْ كَانَ يَأْمَنُ الشَّهْوَةَ) لِقِيَامِ الْمُحَرَّمِ وَانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى، بِخِلَافِ النَّظَرِ لِأَنَّ فِيهِ بَلْوَى. وَالْمُحَرَّمُ قَوْلُهُ «مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ وُضِعَ عَلَى كَفِّهِ جَمْرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَهَذَا إذَا كَانَتْ شَابَّةً تُشْتَهَى، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى فَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَتِهَا وَمَسِّ يَدِهَا لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُدْخِلُ بَعْضَ الْقَبَائِلِ الَّتِي كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِيهِمْ وَكَانَ يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ اسْتَأْجَرَ عَجُوزًا لِتُمَرِّضَهُ، وَكَانَتْ تَغْمِزُ رِجْلَيْهِ

بِقَوْلِهِمَا فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى ﴿إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ فَإِنَّ فِي تَفْسِيرِهِ أَقْوَالًا مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعَى هَاهُنَا شَيْءٌ مِنْهَا سِوَى قَوْلِهِمَا، لَكِنَّ دَلَالَةَ قَوْلِهِمَا عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاضِحٍ أَيْضًا، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مَوْضِعَ الْكُحْلِ هُوَ الْعَيْنُ لَا الْوَجْهُ كُلُّهُ، وَكَذَا مَوْضِعُ الْخَاتَمِ هُوَ الْأُصْبُعُ لَا الْكَفُّ كُلُّهُ، وَالْمُدَّعَى جَوَازُ النَّظَرِ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ كُلِّهِ وَإِلَى كَفَّيْهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَالْأَوْلَى فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى ذَلِكَ هُوَ الْمَصِيرُ إلَى مَا جَاءَ مِنْ الْأَخْبَارِ فِي الرُّخْصَةِ فِي النَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا: مِنْهَا مَا رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَنَظَرَ إلَى وَجْهِهَا وَلَمْ يَرَ فِيهَا رَغْبَةً». وَمِنْهَا مَا رُوِيَ «أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ: يَا أَسْمَاءُ إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إلَّا هَذَا وَهَذَا وَأَشَارَ إلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ» وَمِنْهَا مَا رُوِيَ " أَنَّ فَاطِمَةَ لَمَّا نَاوَلَتْ أَحَدَ ابْنَيْهَا بِلَالًا أَوْ أَنَسًا قَالَ: رَأَيْت كَفَّهَا كَأَنَّهَا فَلْقَةُ قَمَرٍ ": أَيْ قِطْعَتُهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنْ لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ وَكَفِّهَا

(الْمَرْأَةُ الْأَجْنَبِيَّةُ) (قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ شَابَّةً تُشْتَهَى، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى فَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَتِهَا وَمَسِّ يَدِهَا لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يُرِيدُ أَنَّ حُرْمَةَ مَسِّ الْوَجْهِ وَالْكَفِّ تَخْتَصُّ بِمَا إذَا كَانَتْ شَابَّةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى فَلَا بَأْسَ بِمَسِّهِمَا انْتَهَى.

أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَرْحٍ صَحِيحٍ، إذْ لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ عَدَمُ الْبَأْسِ بِمَسِّ وَجْهِ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا، وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ هُنَا وَفِي سَائِرِ الْكُتُبِ عَدَمُ الْبَأْسِ بِمَسِّ كَفِّهَا إذَا كَانَتْ عَجُوزًا، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ فِي الْبَيْعَةِ وَلَا يُصَافِحُ الشَّوَابَّ» كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ. نَعَمْ ظَاهِرُ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ لَا يَأْبَى عَنْ التَّعْمِيمِ، لَكِنْ لَا مَجَالَ لِاخْتِرَاعِ مَسْأَلَةٍ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ بِدُونِ أَنْ تُذْكَرَ فِي الْكُتُبِ نَقْلًا عَنْ الْأَئِمَّةِ أَوْ الْمَشَايِخِ. ثُمَّ إنَّ تَاجَ الشَّرِيعَةِ اعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِهِ لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ، وَأَجَابَ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قُلْت: هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ، وَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ وُضِعَ عَلَى كَفِّهِ جَمْرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قُلْت: الْمُرَادُ امْرَأَةٌ تَدْعُو النَّفْسُ إلَى مَسِّهَا، أَمَّا إذَا تَهَرَّبَتْ الْعَيْنُ مِنْ رُؤْيَتِهَا وَانْزَوَى الْخَاطِرُ مِنْ لِقَائِهَا فَلَا، انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ. أَقُولُ: يُرَدُّ الِاعْتِرَاضُ الْمَذْكُورُ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ، وَكَذَا إذَا كَانَ شَيْخًا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا لِمَا قُلْنَا. فَإِنَّ قَوْلَهُ لِمَا قُلْنَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. وَلَا يَتَمَشَّى الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ هُنَاكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>