للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ عَدَمُ جَوَازِ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ مُطْلَقًا: أَيْ وَإِنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ إلَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ عُلِمَ عَدَمُ جَوَازِ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إلَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا إلَى رُكْبَتِهَا بِالْأَوْلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ أَغْلَظُ، وَعَنْ هَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ صَاحِبُ الْمُحِيطِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِذَكَرِ شَيْءٍ مِمَّا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى بَطْنِهَا وَلَا إلَى ظَهْرِهَا وَلَا إلَى جَنْبِهَا، وَلَا يَمَسَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى.

وَظَهَرَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ ذِكْرَ الْجَنْبِ أَحَقُّ مِنْ ذِكْرِ الْفَخِذِ هَاهُنَا. فَإِنْ قُلْت: الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ الْفَخِذِ فِي الْكِتَابِ بَيَانُ الْوَاقِعِ وَالتَّصْرِيحُ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا مِمَّا تَقَدَّمَ. قُلْت: فَحِينَئِذٍ كَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يُقَالَ: بَدَلُ وَفَخِذِهَا مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا إلَى رُكْبَتِهَا كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا وَإِلَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنْهَا وَمَسُّهَا انْتَهَى، فَإِنَّ فِيهِ عُمُومَ الْإِفَادَةِ. فَإِنْ قُلْت: الْمَقْصُودُ بِالِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ الْفَخِذِ هُوَ السُّلُوكُ مَسْلَكَ الدَّلَالَةِ فِي إفَادَةِ حُرْمَةِ النَّظَرِ إلَى مَا عَدَاهُ أَيْضًا مِمَّا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ. قُلْت: فَحِينَئِذٍ كَانَ الْأَحَقُّ الِاكْتِفَاءَ بِذِكْرِ الرُّكْبَةِ، فَإِنَّ حُكْمَ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخِذِ، وَفِي الْفَخِذِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي السَّوْءَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ، فَبِذِكْرِ الْفَخِذِ لَا يُعْلَمُ حُكْمُ الرُّكْبَةِ دَلَالَةً لِكَوْنِهَا أَخَفَّ مِنْهُ فِي حُرْمَةِ النَّظَرِ. وَأَمَّا بِذِكْرِ الرُّكْبَةِ فَيُعْلَمُ حُكْمُ الْفَخِذِ والسَّوْءَةِ أَيْضًا دَلَالَةً بِالْأَوْلَوِيَّةِ لِكَوْنِهِمَا أَقْوَى مِنْهَا فِي حُرْمَةِ النَّظَرِ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ قَصَدَ حِلَّ بَعْضِ عِبَارَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: وَأَصْلُ التَّرْكِيبِ ذَوَاتُ الرَّحِمِ الْمَحَارِمِ عَلَى أَنَّ الْمَحَارِمَ صِفَةُ الذَّوَاتِ، وَقَدْ يُحْذَفُ الرَّحِمُ فَيُقَالُ ذَوَاتُ الْمَحَارِمِ بِطَرِيقِ الْمُسَامَحَةِ، وَالنُّكْتَةُ فِيهِ شُمُولُ الْمَسْأَلَةِ لِلْمَحْرَمِ بِسَبَبٍ كَمَا سَيَجِيءُ، وَجَعْلُ الْمَحْرَمَ هَاهُنَا مَصْدَرًا مِيمِيًّا بِمَعْنَى الْحُرْمَةِ مَعَ عَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ لَا يُلَائِمُهُ تَفْسِيرُهُ بِمَا سَيَجِيءُ فَتَأَمَّلْ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ.

أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَصْلُ التَّرْكِيبِ الْمَذْكُورِ ذَوَاتَ الرَّحِمِ الْمَحَارِمِ عَلَى أَنَّ الْمَحَارِمَ صِفَةُ الذَّوَاتِ فَحُذِفَ الرَّحِمُ وَأُضِيفَتْ الذَّوَاتُ إلَى الْمَحَارِمِ بِطَرِيقِ الْمُسَامَحَةِ كَانَ مَدْلُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُخْتَصًّا بِالْمَحْرَمِ بِنَسَبٍ، إذْ الرَّحِمُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ النَّسَبِ فَلَا مَجَالَ؛ لَأَنْ تَكُونَ النُّكْتَةُ فِي حَذْفِ الرَّحِمِ وَإِضَافَةِ الذَّوَاتِ إلَى الْمَحَارِمِ شُمُولَ الْمَسْأَلَةِ لِلْمَحْرَمِ بِسَبَبٍ؛ لِأَنَّ النُّكْتَةَ فِي الْعِبَارَةِ لَا تَصْلُحُ أَنَّ تُغَيِّرَ الْمَعْنَى بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى تَنْقُلَهُ مِنْ الْخُصُوصِ إلَى الْعُمُومِ. وَبِالْجُمْلَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى التَّرْكِيبِ الْمَذْكُورِ ذَوَاتِ الرَّحِمِ الْمَحَارِمِ، وَبَيْنَ أَنْ تَشْمَلَ الْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ الْمَحْرَمَ بِسَبَبِ تَنَافٍ لَا يَخْفَى.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَجَعْلُ الْمَحْرَمِ هَاهُنَا مَصْدَرًا مِيمِيًّا بِمَعْنَى الْحُرْمَةِ مَعَ عَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ لَا يُلَائِمُهُ تَفْسِيرُهُ بِمَا سَيَجِيءُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ قَوْلِهِ مَعَ عَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ وَمِنْ قَوْلِهِ لَا يُلَائِمُهُ تَفْسِيرُهُ بِمَا سَيَجِيءُ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَالْمَحْرَمُ الْحَرَامُ وَالْحُرْمَةُ أَيْضًا. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: النِّسَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ سَبْعَةُ أَنْوَاعٍ. نَوْعٌ مِنْهُنَّ الْمَنْكُوحَاتُ، وَنَوْعٌ مِنْهُنَّ الْمَمْلُوكَاتُ، وَنَوْعٌ مِنْهُنَّ ذَوَاتُ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ كَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، وَنَوْعٌ مِنْهُنَّ ذَوَاتُ الْمَحْرَمِ بِلَا رَحِمٍ وَهُنَّ الْمَحَارِمُ مِنْ جِهَةِ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ، وَنَوْعٌ مِنْهُنَّ مَمْلُوكَاتُ الْأَغْيَارِ، وَنَوْعٌ مِنْهُنَّ مَنْ لَا رَحِمَ لَهُنَّ وَلَا مَحْرَمَ وَهُنَّ الْأَجْنَبِيَّاتُ الْحَرَائِرُ، وَنَوْعٌ مِنْهُنَّ مِنْ ذَوَاتِ الرَّحِمِ بِلَا مَحْرَمٍ كَبِنْتِ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ اهـ.

وَلَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ الْمَحْرَمَ الْمَذْكُورَ ثَمَّةَ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ إنَّمَا يَصْلُحُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْحَرَامِ مَا ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ ذَوَاتَ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَالْبَاقِي مِنْهُ بِمَعْنَى الْحُرْمَةِ لَا غَيْرُ كَمَا فِي قَوْلِهِ ذَوَاتَ الْمَحْرَمِ بِلَا رَحِمٍ، وَقَوْلِهِ مَنْ لَا رَحِمَ لَهُنَّ وَلَا مَحْرَمَ، وَقَوْلِهِ ذَوَاتُ الرَّحِمِ بِلَا مَحْرَمٍ يَظْهَرُ كُلُّ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ وَالذَّوْقِ الصَّحِيحِ.

وَقَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَلَا بَأْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ الْبَالِغَةِ وَكُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ كَالْجَدَّاتِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ إلَى شَعْرِهَا وَرَأْسِهَا وَصَدْرِهَا وَبَدَنِهَا وَعُنُقِهَا وَعَضُدِهَا وَسَاقِهَا، وَلَا يَنْظُرْ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا وَلَا إلَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا إلَى أَنْ تُجَاوِزَ الرُّكْبَةَ، وَكَذَا إلَى كُلِّ ذَاتِ مَحْرَمٍ بِرَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ كَزَوْجَةِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا وَزَوْجَةِ الِابْنِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلُوا، وَابْنَةِ الْمَرْأَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَهِيَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>