وَقَوْلُهُ ﵊ «أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا، فَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّهَا مِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهَا وَيَأْخُذَ ظَهْرَهَا وَبَطْنَهَا دُونَ مَا تَحْتَهُمَا إذَا أَمِنَا الشَّهْوَةَ، فَإِنْ خَافَهَا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَيْهَا تَيَقُّنًا أَوْ ظَنًّا أَوْ شَكًّا فَلْيَجْتَنِبْ ذَلِكَ بِجَهْدِهِ، ثُمَّ إنْ أَمْكَنَهَا الرُّكُوبَ بِنَفْسِهَا يَمْتَنِعُ عَنْ ذَلِكَ أَصْلًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا يَتَكَلَّفُ بِالثِّيَابِ كَيْ لَا تُصِيبَهُ حَرَارَةُ عُضْوِهَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الثِّيَابَ يَدْفَعُ الشَّهْوَةَ عَنْ قَلْبِهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
قَالَ (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ مَمْلُوكَةِ غَيْرِهِ إلَى مَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ) لِأَنَّهَا تَخْرُجُ لِحَوَائِجِ مَوْلَاهَا وَتَخْدُمُ أَضْيَافَهُ وَهِيَ فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا، فَصَارَ حَالُهَا خَارِجَ الْبَيْتِ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ كَحَالِ الْمَرْأَةِ دَاخِلَهُ فِي حَقِّ مَحَارِمِهِ الْأَقَارِبِ. وَكَانَ عُمَرُ ﵁ إذَا رَأَى جَارِيَةً مُتَقَنِّعَةً عَلَاهَا بِالدُّرَّةِ، وَقَالَ: أَلْقِي عَنْك الْخِمَارَ يَا دَفَارُ أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ؟ وَلَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى بَطْنِهَا وَظَهْرِهَا خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَنَّهُ يُبَاحُ إلَّا إلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ كَمَا فِي الْمَحَارِمِ، بَلْ أَوْلَى لِقِلَّةِ الشَّهْوَةِ فِيهِنَّ وَكَمَالِهَا فِي الْإِمَاءِ. وَلَفْظَةُ الْمَمْلُوكَةِ تَنْتَظِمُ الْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ، وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا عُرِفَ، وَأَمَّا الْخَلْوَةُ بِهَا وَالْمُسَافَرَةُ مَعَهَا
عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ لَا يَدْفَعُ السُّؤَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ فَإِنَّ كَوْنَ الْمَحْرَمِ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ فِي حُكْمِ الْمَحْرَمِ بِالنَّسَبِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ وُجُودَ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ يَتَوَجَّهُ السُّؤَالُ الْمَذْكُورُ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْمُخْتَارُ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ، وَلَا يَدْفَعُهُ عَدَمُ الْقَطْعِ عِنْدَ الْبَعْضِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَمَّا جَوَازُ الدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ فَمَمْنُوعٌ، وَتَأْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فَلِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَحَارِمِ مِنْ جِهَةِ الرَّضَاعِ الدُّخُولُ مِنْ غَيْرِ حِشْمَةٍ وَاسْتِئْذَانٍ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِوُجُودِ الْمَعْنَيَيْنِ فِيهِ، فَإِنَّ وُجُودَ أَحَدِ ذَيْنِك الْمَعْنَيَيْنِ فِيهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ الدُّخُولُ مِنْ غَيْرِ حِشْمَةٍ وَاسْتِئْذَانٍ كَمَا تَحَقَّقْته، وَمَبْنَى السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ الْفَاءُ فِي قَوْلِ السَّائِلِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ إذَا سَرَقَ الْمَرْءُ مِنْ بَيْتِ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ، فَالْأَوْلَى فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِ الْمَحْرَمِ بِسَبَبٍ فِي حُكْمِ الْمَحْرَمِ بِنَسَبٍ أَنْ يُصَارَ إلَى الدَّلِيلِ النَّقْلِيِّ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا النَّوْعُ الرَّابِعُ وَهُوَ ذَوَاتُ الْمَحْرَمِ بِلَا رَحِمٍ فَحُكْمُهُنَّ حُكْمُ ذَوَاتِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ ﷺ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَرُوِيَ «أَنَّ أَفْلَحَ اسْتَأْذَنَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى عَائِشَةَ ﵂، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ ﵊: لِيَلِجَ عَلَيْك فَإِنَّهُ عَمُّك أَرْضَعَتْك امْرَأَةُ أَخِيهِ» انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ حُكْمَ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ بِالنَّسَبِ وَالْمُحَرَّمَةِ بِالرَّضَاعِ وَكَذَلِكَ الْمُحَرَّمَةُ بِالْمُصَاهَرَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَوَّى بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ ﴿فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا﴾.
(ذَوَاتُ الْمَحَارِمِ) (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ ﵊ «أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كَوْنُ الْمُرَادِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا لَيْسَ بِأَجْلَى مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إذَا لَمْ يَكُنْ زَوْجًا، فَبِهَذَا الِاحْتِمَالِ كَيْفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute