للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَدْ قِيلَ يُبَاحُ كَمَا فِي الْمَحَارِمِ، وَقَدْ قِيلَ لَا يُبَاحُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِيهِنَّ، وَفِي الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ اعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ الضَّرُورَةَ فِيهِنَّ وَفِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مُجَرَّدَ الْحَاجَةِ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ الشِّرَاءَ، وَإِنْ خَافَ أَنْ يَشْتَهِيَ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَأَطْلَقَ أَيْضًا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يُفَصِّلْ. قَالَ مَشَايِخُنَا : يُبَاحُ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ اشْتَهَى لِلضَّرُورَةِ، وَلَا يُبَاحُ الْمَسُّ إذَا اشْتَهَى أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ اسْتِمْتَاعٍ، وَفِي غَيْرِ حَالَةِ الشِّرَاءِ يُبَاحُ النَّظَرُ وَالْمَسُّ بِشَرْطِ عَدَمِ الشَّهْوَةِ.

قَالَ (وَإِذَا حَاضَتْ الْأَمَةُ لَمْ تَعْرِضْ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ) وَمَعْنَاهُ بَلَغَتْ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الظَّهْرَ وَالْبَطْنَ مِنْهَا عَوْرَةٌ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ تُشْتَهَى وَيُجَامَعُ مِثْلُهَا فَهِيَ كَالْبَالِغَةِ لَا تَعْرِضُ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ لِوُجُودِ الِاشْتِهَاءِ.

قَالَ (وَالْخَصِيُّ فِي النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ كَالْفَحْلِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ : الْخِصَاءُ مِثْلُهُ فَلَا يُبِيحُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ وَلِأَنَّهُ فَحْلٌ يُجَامِعُ. وَكَذَا الْمَجْبُوبُ؛ لِأَنَّهُ يَسْحَقُ وَيُنْزِلُ،

يَثْبُتُ الْمُدَّعَى، وَلَئِنْ سَلَّمَ كَوْنَ الْمُرَادِ ذَلِكَ فَجَوَازُ أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بِامْرَأَةٍ ذَاتِ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَنَا.

(قَوْلُهُ وَالْخَصِيُّ فِي النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ كَالْفَحْلِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ : الْخِصَاءُ مِثْلُهُ فَلَا يُبِيحُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ) قَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ: هَا هُنَا إيرَادَانِ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْأَوَّلُ أَنَّ هَذَا لَمْ يَثْبُتْ عَنْ عَائِشَةَ ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنِّفِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ فَضْلٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خِصَاءُ الْبَهَائِمِ مِثْلُهُ، ثُمَّ تَلَا ﴿وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنِّفِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ الْخِصَاءُ مِثْلُهُ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ.

الثَّانِي أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى مُدَّعَاكُمْ، فَإِنَّ كَوْنَ الْخِصَاءِ مِثْلِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَظَرَ الْخَصِيِّ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ كَالْفَحْلِ، إلَى هَاهُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ إيرَادَيْهِ سَاقِطٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ حَاصِلَهُ عَدَمُ ثُبُوتِ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْنَادِ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِينَ بِطَرِيقِ الْإِسْنَادِ أَوْ بِطَرِيقِ الْإِرْسَالِ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ فِي عَامَّةِ كُتُبِ أَصْحَابِنَا بِطَرِيقِ الْإِرْسَالِ، وَتَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ مُرْسَلَ الصَّحَابِيِّ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَمُرْسَلَ الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِدُونِ أَنْ يَثْبُتَ اتِّصَالُهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ كَمَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إلَّا أَنَّهُ يُقْبَلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، حَتَّى قَالُوا إنَّهُ فَوْقَ الْمُسْنَدِ، وَمُرْسَلُ مَنْ دُونَ هَؤُلَاءِ يُقْبَلُ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَيُرَدُّ عِنْدَ الْبَعْضِ، فَهَذَا الْقَوْلُ الْمُرْسَلُ إلَى عَائِشَةَ إنْ كَانَ مِنْ مَرَاسِيلِ الْقَرْنِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ مَقْبُولًا عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَرَاسِيلِ مَنْ دُونَ الْقَرْنِ الثَّالِثِ فَهُوَ أَيْضًا مَقْبُولٌ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَلَا يُبِيحُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْرِيرَاتُ الثِّقَاتِ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، فَدَلَالَةُ أَثَرِ عَائِشَةَ عَلَى الْمُدَّعَى أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى.

ثُمَّ أَقُولُ: وَلَكِنْ بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ فِيمَا لَمْ يُعْلَمْ اتِّفَاقُ سَائِرِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ وَلَا اخْتِلَافُهُمْ فِيهِ إنَّمَا يُوجِبُ التَّقْلِيدَ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ إلَّا السَّمَاعُ أَوْ الْكَذِبُ، وَالثَّانِي مُنْتَفٍ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ لَا فِيمَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالرَّأْيِ مِنْهُمْ مَشْهُورٌ وَالْمُجْتَهِدُ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ، وَلِهَذَا اسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي مَرْجِعُهُ الْقِيَاسُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ حَيْثُ قَالُوا: وَلِأَنَّهُ فَحْلٌ يُجَامِعُ، وَلَمْ يُعْلَمْ اتِّفَاقُ سَائِرِ الصَّحَابَةِ عَلَى قَوْلِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ هُنَا فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يُوجِبَ التَّقْلِيدَ فَكَيْفَ يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمَجْبُوبُ لِأَنَّهُ يَسْحَقُ وَيُنْزِلُ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>