وَكَذَا الْمُخَنَّثُ فِي الرَّدِيءِ مِنْ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهُ فَحْلٌ فَاسِقٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِيهِ بِمُحْكَمِ كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ فِيهِ، وَالطِّفْلُ الصَّغِيرُ مُسْتَثْنًى بِالنَّصِّ.
قَالَ (وَلَا يَجُوزُ لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ سَيِّدَتِهِ إلَّا مَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْهَا). وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ كَالْمَحْرَمِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مُتَحَقِّقَةٌ لِدُخُولِهِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ. وَلَنَا أَنَّهُ فَحْلٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ، وَالشَّهْوَةُ مُتَحَقِّقَةٌ لِجَوَازِ النِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ وَالْحَاجَةُ قَاصِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ خَارِجَ الْبَيْتِ.
وَيَسْحَقُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَيُنْزِلُ بِضَمِّهَا: أَيْ يَفْعَلُ الْإِنْزَالَ. وَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ الْمَفْعُولِ كَمَا فَعَلَهُ الْعَيْنِيُّ حَيْثُ قَالَ الْمَنِيَّ بَعْدَ قَوْلِهِ وَيُنْزِلُ انْتَهَى.
أَقُولُ: الصَّوَابُ مَا فَعَلَهُ الْعَيْنِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْنَى يُنْزِلُ هُنَا يَفْعَلُ الْإِنْزَالَ كَانَ هَذَا الْفِعْلُ الْمُتَعَدِّي مُنَزَّلًا مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ لِلْقَصْدِ إلَى نَفْسِ الْفِعْلِ كَمَا فِي نَحْوِ قَوْلِك فُلَانٌ يُعْطِي: أَيْ يَفْعَلُ الْإِعْطَاءَ. وَيُوجَدُ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمِفْتَاحِ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِصَحِيحٍ هُنَا، إذْ لَا يَثْبُتُ الْمَطْلُوبُ بِمُجَرَّدِ كَوْنِ الْمَجْبُوبِ فَاعِلَ حَقِيقَةِ الْإِنْزَالِ. فَإِنَّ هَذَا يَتَحَقَّقُ بِإِنْزَالِهِ الْبَوْلَ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعِلَّةٍ لِحُرْمَةِ النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ لَا مَحَالَةَ، وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ لَهَا شَهْوَةُ الْمَنِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَفْعُولِ يُنْزِلُ هُنَا بِالْمَنِيِّ حَتَّى يَتِمَّ الْمَطْلُوبُ (قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِيهِ بِمُحْكَمِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُنَزَّلِ فِيهِ) أَيْ يُؤْخَذُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، كَذَا فِي شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: أَيْ فِي الْمُخَنَّثِ الَّذِي فِي أَعْضَائِهِ لِينٌ وَتَكَسُّرٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَلَا يَشْتَهِي النِّسَاءَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِخْدَامِ انْتَهَى. أَقُولُ: الْحَقُّ مَا قَالَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ الْمَارَّةِ: أَعْنِي الْخَصِيَّ وَالْمَجْبُوبَ وَالْمُخَنَّثَ بِمُحْكَمِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا رَيْبٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ وَكَذَا قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ الْآيَةَ، فَمَا مَعْنَى تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِالثَّالِثِ وَحْدِهِ مَعَ إمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى الثَّلَاثَةِ جَمِيعًا، وَمَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا بَيَانُ دَلِيلٍ آخَرَ أَقْوَى مِمَّا ذَكَرَهُ.
أَوَّلًا جَامِعٍ لِلصُّوَرِ الثَّلَاثِ مَعًا كَمَا تَرَى.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ كَلِمَةَ الْحَاصِلِ تَقْتَضِي فِي الِاسْتِعْمَالِ تَفْصِيلًا سَابِقًا يَكُونُ مَا ذُكِرَ فِي حَيِّزِهَا تَلْخِيصًا لِذَلِكَ التَّفْصِيلِ، وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ هُنَا إذَا كَانَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَذَا نَاظِرًا إلَى مَجْمُوعِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمَارَّةِ لَا إلَى الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ وَحْدَهَا، سِيَّمَا لَوْ أُرِيدَ بِالضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ يُؤْخَذُ فِيهِ الْمُخَنَّثُ بِالْمَعْنَى الْغَيْرِ الْمَذْكُورِ فِيمَا مَرَّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِخْدَامِ كَمَا زَعَمَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ لِلْكَلِمَةِ الْحَاصِلِ مِسَاسٌ بِمَا قَبْلَهَا أَصْلًا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْنَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute