للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ الْإِمَاءُ، قَالَ سَعِيدٌ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمَا: لَا تَغُرَّنَّكُمْ سُورَةُ النُّورِ فَإِنَّهَا فِي الْإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ

قَالَ (وَيَعْزِلُ عَنْ أَمَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلَا يَعْزِلُ عَنْ زَوْجَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهَا) «؛ لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ

قَوْلُهُ وَالْمُرَاد بِالنَّصِّ الْإِمَاء قَالَ سَعِيدٌ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمَا لَا تَغُرَّنَّكُمْ سُورَةُ النُّورِ فَإِنَّهَا فِي الْإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَطْلَقَ اسْمَ سَعِيدٍ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالنِّسْبَةِ لِيَصِحَّ تَنَاوُلُهُ لِلسَّعِيدَيْنِ عَلَى مَا رَوَيْنَا مِنْ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ انْتَهَى. وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ فِي هَذَا التَّوْجِيهِ. وَرَدَّهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ حَيْثُ قَالَ: أَرَادَ بِهِ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ لِمَا ذَكَرْنَا عَنْ الْكَشَّافِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ: إنَّمَا أَطْلَقَ السَّعِيدَ لِيَتَنَاوَلَ السَّعِيدَيْنِ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْتَرَكِ عُمُومٌ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ وَهُوَ فَاسِدٌ انْتَهَى.

أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ بِالتَّنَاوُلِ فِي قَوْلِهِمْ لِيَتَنَاوَلَ السَّعِيدَيْنِ هُوَ التَّنَاوُلُ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لَا التَّنَاوُلُ عَلَى سَبِيلِ الشُّمُولِ وَالْعُمُومِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ يَتَنَاوَلُ مَعَانِيَهُ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، وَلَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ حَتَّى قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي التَّلْوِيحِ: وَالْمُشْتَرَكُ مُسْتَغْرِقٌ لِمَعَانِيهِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، وَاَلَّذِي لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا دُونَ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا هُوَ عُمُومُ الْمُشْتَرَكِ لِمُعَايَنَةٍ عَلَى سَبِيلِ الشُّمُولِ فِي إطْلَاقِ وَاحِدٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ عِبَارَةِ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ. وَقَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ: وَنَظَرَ صَاحِبُ الْغَايَةِ فِيهِ. قُلْت: نَظَرُهُ وَارِدٌ وَلَكِنَّ تَعْلِيلَهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، أَمَّا وُرُودُهُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ لَفْظَ سَعِيدٍ مِنْ غَيْرِ نِسْبَةٍ، وَأَرَادَ بِهِ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ أَوْ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ. وَأَمَّا أَنَّ تَعْلِيلَهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَلِأَنَّهُ ادَّعَى فِيهِ لُزُومَ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ، وَلَا نُسَلِّمُ ثُبُوتَ الِاشْتِرَاكِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ مَا وُضِعَ لَمَعَانٍ انْتَهَى. أَقُولُ: كِلَا دَخْلَيْهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْعِلْمَ هُوَ لَفْظُ سَعِيدٍ لَا مَجْمُوعُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَعَدَمُ اسْتِعْمَالِ السَّلَفِ لَفْظَ سَعِيدٍ مِنْ غَيْرِ نِسْبَةٍ فِي سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَيْسَ لِعَدَمِ صِحَّةِ إطْلَاقِ لَفْظِ سَعِيدٍ وَحْدَهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمَا، وَإِلَّا لَمَا كَانَ عَلَمًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ لِقَصْدِهِمْ زِيَادَةَ إظْهَارِ الْمُرَادِ وَتَعْيِينِهِ، وَإِذَا كَانَ مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ تَنَاوُلَ لَفْظِ سَعِيدٍ هَاهُنَا لِلسَّعِيدَيْنِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحُ لَزِمَهُ تَرْكُ النِّسْبَةِ وَصَحَّ الْإِطْلَاقُ.

وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ لَفْظَ سَعِيدٍ عَلَمٌ مُشْتَرَكٌ، وَالْأَعْلَامُ الْمُشْتَرَكَةُ مِمَّا تَقَرَّرَ أَمَرَهُ فِي عِلْمِ النَّحْوِ فَكَيْفَ يُمْنَعُ ثُبُوتُ الِاشْتِرَاكِ هَاهُنَا. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ مَا وُضِعَ لَمَعَانٍ لَا يُجْدِي شَيْئًا، لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْمَعَانِي مَا يُسْتَفَادُ مِنْ اللَّفْظِ فَهُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي الْعَلَمِ الْمُشْتَرَكِ أَيْضًا بِلَا رَيْبٍ. وَإِنْ أَرَادَ بِهَا الصُّوَرَ الْعَقْلِيَّةَ الْمُقَابِلَةَ لِلْأَعْيَانِ الْخَارِجِيَّةَ فَلَيْسَتْ تِلْكَ بِمُعْتَبَرَةٍ فِي مَعْنَى الْمُشْتَرَكِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرَكَ مَا وُضِعَ لِمُتَعَدِّدٍ بِوَضْعِ مُتَعَدِّدٍ: أَيِّ شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ الْمُتَعَدِّدُ الْمَوْضُوعُ لَهُ، وَالْأَمْرُ فِي الْعَلَمِ الْمُشْتَرَكِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ مُسَمَّيَاتِهِ بِوَضْعٍ وَاحِدٍ بَلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَضْعٌ مُسْتَقِلٌّ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.

ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ عَلَّلَ كَوْنَ الْمُرَادِ بِالنَّصِّ الْإِمَاءَ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّ الذُّكُورَ مُخَاطَبُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ فَلَوْ دَخَلُوا فِي قَوْلِهِ ﷿ ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ لَزِمَ التَّعَارُضُ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِصَحِيحٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>