سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَمِنْ الْمَرْأَةِ وَالْمَمْلُوكِ وَمِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمُشْتَرَاةُ بِكْرًا لَمْ تُوطَأْ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَإِدَارَةِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ دُونَ الْحُكْمِ لِبُطُونِهَا فَيُعْتَبَرُ تَحَقُّقُ السَّبَبِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الشُّغْلِ. وَكَذَا لَا يُجْتَزَأُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا فِي أَثْنَائِهَا وَلَا بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَا بِالْوِلَادَةِ الْحَاصِلَةِ بَعْدَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ﵀؛ لِأَنَّ السَّبَبَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ، وَالْحُكْمُ لَا يَسْبِقُ السَّبَبَ، وَكَذَا لَا يُجْتَزَأُ بِالْحَاصِلِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَلَا بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا شِرَاءً صَحِيحًا لِمَا قُلْنَا.
(وَيَجِبُ فِي جَارِيَةٍ لِلْمُشْتَرِي فِيهَا شِقْصٌ فَاشْتَرَى الْبَاقِيَ)؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَمَّ الْآنَ، وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى تَمَامِ الْعِلَّةِ، وَيُجْتَزَأُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ بِأَنْ كَاتَبَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمَجُوسِيَّةُ أَوْ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ لِوُجُودِهَا بَعْدَ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ إذْ هُوَ مُقْتَضٍ لِلْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ لِمَانِعٍ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ
(وَلَا يَجِبُ) (الِاسْتِبْرَاءُ إذَا رَجَعَتْ الْآبِقَةُ أَوْ رُدَّتْ الْمَغْصُوبَةُ أَوْ الْمُؤَاجَرَةُ) أَوْ فُكَّتْ الْمَرْهُونَةُ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ وَهُوَ سَبَبٌ مُتَعَيَّنٌ فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَلَهَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ كَتَبْنَاهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى. وَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ حَرُمَ الدَّوَاعِي لِإِفْضَائِهَا إلَيْهِ. أَوْ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ عَلَى اعْتِبَارِ ظُهُورِ الْحَبَلِ وَدَعْوَةِ الْبَائِعِ. بِخِلَافِ الْحَائِضِ حَيْثُ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي فِيهَا لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ الْوُقُوعُ
الشَّرْعِيُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّمَكُّنَ الشَّرْعِيَّ مِمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ شَرْعًا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَالْوَطْءَ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ مُحَرَّمٌ قَطْعًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ عِلَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ دَلِيلُهَا أَيْضًا مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ، وَالْمَفْرُوضُ أَنَّهُ هُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ التَّمَكُّنِ هُوَ التَّمَكُّنُ الشَّرْعِيُّ دُونَ التَّمَكُّنِ الطَّبَعِيِّ لَزِمَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الْمُحَرَّمِ الشَّرْعِيِّ تَمَكُّنًا شَرْعِيًّا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَحْذُورِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَمِنْ الْمَرْأَةِ وَالْمَمْلُوكِ وَمِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمُشْتَرَاةُ بِكْرًا لَمْ تُوطَأْ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَإِدَارَةِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ دُونَ الْحُكْمِ لِخَفَائِهَا) وَعَنْ هَذَا قَالُوا: إنَّ الْحِكْمَةَ تُرَاعَى فِي الْجِنْسِ لَا فِي كُلِّ فَرْدٍ. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ. وَأَجَابَ حَيْثُ قَالَ: يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحِكْمَةَ لَا تُرَاعَى فِي كُلِّ فَرْدٍ وَلَكِنْ تُرَاعَى فِي الْأَنْوَاعِ الْمَضْبُوطَةِ، فَإِذَا كَانَتْ الْأَمَةُ بِكْرًا أَوْ مُشْتَرَاةً مِمَّنْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الشَّغْلِ بِالْمَاءِ الْمُحْتَرَمِ مُتَيَقِّنٌ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالنَّصِّ لِقَوْلِهِ ﵊ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ» فَإِنَّ السَّبَايَا لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا بِكْرٌ أَوْ مَسْبِيَّةٌ مِنْ امْرَأَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمَعَ هَذَا حَكَمَ النَّبِيُّ ﷺ حُكْمًا عَامًّا فَلَا يَخْتَصُّ بِالْحِكْمَةِ، فَإِذَا ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي السَّبْيِ عَلَى الْعُمُومِ ثَبَتَ فِي سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَذَلِكَ قِيَاسًا، فَإِنَّ الْعِلَّةَ مَعْلُومَةٌ، ثُمَّ تَأَيَّدَ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ.
وَأَجَابَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ عَنْ الِاعْتِرَاضِ الْمَذْكُورِ بِوَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: إنَّ تَوَهُّمَ الشَّغْلِ ثَابِتٌ فِي الْبِكْرِ وَفِي الْمُشْرَبَةِ مِمَّنْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ احْتِمَالَ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى الرَّحِمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute