للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَلِأَنَّهُ زَمَانُ نَفْرَةٍ فَالْإِطْلَاقُ فِي الدَّوَاعِي لَا يُفْضِي إلَى الْوَطْءِ وَالرَّغْبَةُ فِي الْمُشْتَرَاةِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَصْدَقُ الرَّغَبَاتِ فَتُفْضِي إلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّوَاعِيَ فِي الْمَسْبِيَّةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ؛ لِأَنَّهَا لَا يُحْتَمَلُ وُقُوعُهَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ

قَائِمٌ بِدُونِ زَوَالِ الْعَذْرَةِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِمَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ التَّوَهُّمُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ. وَرُدَّ الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: بِأَنَّ الِاعْتِرَاضَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ عَلَى الْحُكْمِ حَتَّى يَنْدَفِعَ بِبَيَانِ وَجْهِ ثُبُوتِهِ عَامًّا. بَلْ عَلَى الْحِكْمَةِ بِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ حِكْمَةً لِعَدَمِ اطِّرَادِهَا بِحَسَبِ الْأَنْوَاعِ الْمَضْبُوطَةِ انْتَهَى.

وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ الرَّدِّ هَذَا الرَّدُّ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ رِعَايَةِ الْحِكْمَةِ فِي الْأَنْوَاعِ لِيَعُمَّ الْحُكْمُ تِلْكَ الْأَنْوَاعَ لَا لِتَكُونَ الْحِكْمَةُ حِكْمَةً. فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحُكْمَ عَامٌّ لِتِلْكَ الْأَنْوَاعِ هَاهُنَا بِالْحَدِيثِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ثُبُوتِ الْحِكْمَةِ فِيهَا اهـ.

أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، فَإِنَّ شَرْعَ الصَّانِعِ الْحَكِيمِ لَا يَخْلُو عَنْ الْحِكْمَةِ وَالْفَائِدَةِ، فَمِنْهَا مَا لَا يَتَيَسَّرُ وُقُوفُ الْبَشَرِ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا يَتَيَسَّرُ ذَلِكَ. وَلَمَّا كَانَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي تَعَرَّضَ الْفُقَهَاءُ قَاطِبَةً لِبَيَانِ الْحِكْمَةِ فِيهِ فَقَالُوا إنَّهَا تُعَرِّفُ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحْتَرَمَةِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ وَالْأَنْسَابِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ، وَذَلِكَ عِنْدَ حَقِيقَةِ الشَّغْلِ أَوْ تَوَهُّمِ الشَّغْلِ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ، وَهَذَا لَا يُنَافِي ثُبُوتَ عُمُومِ الْحُكْمِ بِدَلِيلٍ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ فِي كُلِّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ غَيْرُ الْحِكْمَةِ فِيهِ، وَلَا يَدْفَعُ الْحَاجَةَ إلَى ثُبُوتِ الْحِكْمَةِ فِيهِ؛ فَقَوْلُهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحُكْمَ عَامٌّ لِتِلْكَ الْأَنْوَاعِ هَاهُنَا بِالْحَدِيثِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ثُبُوتِ الْحِكْمَةِ فِيهَا خُرُوجٌ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ جِدًّا، فَإِنَّ مَآلَهُ الِاعْتِرَافُ بِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ مَا عَدَّهُ أَسَاطِينُ الْفُقَهَاءِ حِكْمَةً فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَأَنْ يَكُونَ حِكْمَةً فِيهَا، وَهَذَا مِمَّا لَا يَتَجَاسَرُ عَلَيْهِ الْمُتَشَرِّعُ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ فِي جَوَابِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ فَإِذَا ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي السَّبْيِ عَلَى الْعُمُومِ ثَبَتَ فِي سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَذَلِكَ قِيَاسًا لَيْسَ بِتَامٍّ، فَإِنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْمَسْبِيَّةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِتَحَقُّقِ الْمُطْلَقِ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِمَا وَهُوَ الْمِلْكُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَشَرْطُ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ مَعْدُولًا عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ فَأَنَّى يَتَيَسَّرُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ.

فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ دَلَالَةً بَدَلَ قَوْلِهِ قِيَاسًا. فَإِنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ مُنْتَفٍ فِي الدَّلَالَةِ فَيَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى تَبَصَّرْ

الِاسْتِبْرَاءُ إذَا رَجَعَتْ الْآبِقَةُ أَوْ رُدَّتْ الْمَغْصُوبَةُ أَوْ الْمُؤَاجَرَةُ أَوْ فُكَّتْ الْمَرْهُونَةُ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّوَاعِيَ فِي الْمَسْبِيَّةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَاسْتُشْكِلَ ذَلِكَ حَيْثُ تَعَدَّى الْحُكْمُ مِنْ الْأَصْلِ وَهِيَ الْمَسْبِيَّةُ إلَى الْفَرْعِ وَهُوَ غَيْرُهَا بِتَغْيِيرٍ حَيْثُ حُرِّمَتْ الدَّوَاعِي فِي غَيْرِ الْمَسْبِيَّةِ دُونَهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ اقْتِضَاءِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّعَدِّيَ إنْ كَانَ بِالْقِيَاسِ فَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ غَيْرُ دَافِعٍ،؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّغْيِيرِ شَرْطُ الْقِيَاسِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَانْتِفَاءُ الشَّرْطِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ. وَالثَّانِي أَنَّ مَا دَلَّ عَلَى حُرْمَةِ الدَّوَاعِي فِي غَيْرِ الْمَسْبِيَّةِ أَمْرَانِ: الْإِفْضَاءُ، وَالْوُقُوعُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، فَإِنْ لَمْ تُحَرَّمْ بِالثَّانِي فَلْتُحَرَّمْ بِالْأَوَّلِ. إذَا الْحُرْمَةُ تُؤْخَذُ بِالِاحْتِيَاطِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّعْدِيَةَ هَاهُنَا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لِلَّاحِقِ دَلَالَةُ حُكْمِ الدَّلِيلِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُلْحَقِ بِهِ لِعَدَمِهِ، وَالدَّلِيلُ هُنَا أَنَّ حُرْمَةَ الدَّوَاعِي فِي هَذَا الْبَابِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَلَمْ يَقُلْ بِهَا الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ.

فَلَمَّا كَانَ عِلَّتُهَا فِي الْمَسْبِيَّةِ أَمْرًا وَاحِدًا لَمْ تُعْتَبَرْ، وَلَمَّا كَانَ فِي غَيْرِهَا أَمْرَانِ تَعَاضَدَا

<<  <  ج: ص:  >  >>