للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْحَرْبِيِّ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرَاةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

(وَالِاسْتِبْرَاءُ فِي الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ) لِمَا رَوَيْنَا (وَفِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ بِالشَّهْرِ)؛ لِأَنَّهُ أُقِيمَ فِي حَقِّهِنَّ مَقَامَ الْحَيْضِ كَمَا فِي الْمُعْتَدَّةِ، وَإِذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهِ بَطَلَ الِاسْتِبْرَاءُ بِالْأَيَّامِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ كَمَا فِي الْمُعْتَدَّةِ. فَإِنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا تَرَكَهَا، حَتَّى إذَا تَبَيَّنَ أَنْ لَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَقَعَ عَلَيْهَا وَلَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَقِيلَ يَتَبَيَّنُ بِشَهْرَيْنِ

اُعْتُبِرَتْ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِي قَوْلِهِ فَلَمَّا كَانَ عِلَّتُهَا فِي الْمَسْبِيَّةِ أَمْرًا وَاحِدًا لَمْ تُعْتَبَرْ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ إذَا كَانَتْ عِلَّةً صَحِيحَةً تَامَّةً فَوَحْدَتُهَا لَا تُنَافِي اعْتِبَارَهَا. وَلَا تَضُرُّ بِالْعَمَلِ بِهَا وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ مِمَّا وَقَعَ الِاجْتِهَادُ فِي خِلَافِهِ، كَيْفَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ أَنَّ الْعِلَّةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَكْفِي فِي الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ، بَلْ نَرَى كَثِيرًا مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ قَدْ اكْتَفَوْا فِيهَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ. وَالْحُرْمَةُ مِمَّا يُؤْخَذُ فِيهِ بِالِاحْتِيَاطِ فَكَانَ الِاكْتِفَاءُ فِيهَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْلَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِفْضَاءَ إلَى الْحَرَامِ عِلَّةٌ صَحِيحَةٌ تَامَّةٌ. وَلِهَذَا قَالُوا فِي تَعْلِيلِ حُرْمَةِ الدَّوَاعِي قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ فِي غَيْرِ الْمَسْبِيَّةِ لِإِفْضَائِهَا إلَى الْوَطْءِ الْحَرَامِ أَوْ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كَلِمَةَ أَوْ تَدُلُّ عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ، وَاكْتَفَوْا فِي تَعْلِيلِ حُرْمَةِ الدَّوَاعِي فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى كَمَا فِي الظِّهَارِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْإِحْرَامِ، وَفِي الْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ. هَذَا وَقَدْ أَوْرَدَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّعْدِيَةَ هُنَا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لِلَّاحِقِ دَلَالَةُ حُكْمِ الدَّلِيلِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُلْحَقِ بِهِ لِعَدَمِهِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ دُونَ الْقِيَاسِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ انْتَهَى.

أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِمُسْتَقِيمٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمَنْعَ وَظِيفَةُ الْمُجِيبِ. فَإِنَّ حَاصِلَ جَوَابِهِ مَنْعُ كَوْنِ التَّعْدِيَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ حَتَّى يَلْزَمَ الْمَحْذُورُ الْمَذْكُورُ فِي النَّظَرِ وَهُوَ تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ مِنْ الْأَصْلِ إلَى الْفَرْعِ بِتَغْيِيرٍ كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَالِاسْتِنَادُ بِأَنَّهَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ وَلَا اسْتِحَالَةَ لِلتَّغْيِيرِ فِي هَذَا الطَّرِيقِ، فَمُقَابَلَةُ مَنْعِهِ بِمَنْعِ كَوْنِ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ دُونَ الْقِيَاسِ خُرُوجٌ عَنْ قَوَاعِدِ آدَابِ الْمُنَاظَرَةِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَنْعَ كَوْنِ التَّعْدِيَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ دُونَ الْقِيَاسِ سَاقِطٌ جِدًّا، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ مَعْدُولًا عَنْ الْقِيَاسِ. وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِيمَا مَرَّ أَنَّ حُكْمَ الِاسْتِبْرَاءِ ثَابِتٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِتَحَقُّقِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِلِاسْتِمْتَاعِ فَلَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَتَيَسَّرُ الْإِلْحَاقُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ ذَلِكَ. ثُمَّ إنَّ لِذَلِكَ الْبَعْضِ فِي هَذَا الْمَقَامِ كَلِمَاتٌ أُخْرَى وَاهِيَةٌ يَطُولُ بِذِكْرِهَا الْكَلَامُ بِلَا طَائِلٍ فَصَفَحْنَا عَنْ التَّعَرُّضِ لَهَا دَوْمًا لِلِاخْتِصَارِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَاةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ.

وَقَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَالرَّغْبَةُ فِي الْمُشْتَرَاةِ أَصْدَقُ الرَّغَبَاتِ انْتَهَى. وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: هَذَا خَبْطٌ ظَاهِرٌ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْبِيَّةِ وَالْمُشْتَرَاةِ فِي كَوْنِ الرَّغْبَةِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَصْدَقُ الرَّغَبَاتِ. فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُشِيرَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا إلَى مَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيهِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ أَوْ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ عَلَى اعْتِبَارِ ظُهُورِ الْحَبَلِ وَدَعْوَةِ الْبَائِعِ إذْ هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ الْمَسْبِيَّةِ وَالْمُشْتَرَاةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَطْعًا قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ وُقُوعَهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْحَرْبِيِّ اهـ.

(قَوْلُهُ وَالِاسْتِبْرَاءُ فِي الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ لِمَا رَوَيْنَا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَقَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ «وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» انْتَهَى. أَقُولُ: قَدْ سَهَا الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ حَيْثُ قَالَ «وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» مَعَ أَنَّ لَفْظَهُ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ» وَلَعَمْرِي إنَّ هَذَا كَانَ أَظْهَرَ مِنْ أَنْ يَخْفَى فَكَأَنَّ السَّهْوَ وَقَعَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>