الْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، بِخِلَافِ حَالَةِ الْحَيْضِ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ يَمْتَدُّ شَطْرَ عُمْرِهَا وَالصَّوْمَ يَمْتَدُّ شَهْرًا فَرْضًا وَأَكْثَرُ الْعُمْرِ نَفْلًا، فَفِي الْمَنْعِ عَنْهَا بَعْضُ الْحَرَجِ، وَلَا كَذَلِكَ مَا عَدَدْنَاهَا لِقُصُورِهَا مُدَدِهَا. وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُضَاجِعُ نِسَاءَهُ وَهُنَّ حُيَّضٌ»
قَالَ (وَمَنْ لَهُ أَمَتَانِ أُخْتَانِ فَقَبَّلَهُمَا بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُجَامِعُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَلَا يُقَبِّلُهَا وَلَا يَمَسُّهَا بِشَهْوَةٍ وَلَا يَنْظُرُ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ حَتَّى يَمْلِكَ
اخْتَارَ قَوْلَ هَؤُلَاءِ فَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْمَسْأَلَةَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِكَوْنِ الْقَبْضِ قَبْلَ الشِّرَاءِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ حِينَئِذٍ سَبَبُ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ حُدُوثُ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ وَقْتَ عَدَمِ كَوْنِ فَرْجِهَا حَلَالًا لَهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ وَقْتَ عَدَمِ كَوْنِ فَرْجِهَا حَلَالًا لَهُ لَا يُوجِبُ الِاسْتِبْرَاءَ بَلْ يَقْتَضِي سُقُوطَ الِاسْتِبْرَاءِ؛ أَلَا يُرَى إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ؛ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُوبِ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَرْجُهَا حَلَالًا لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنْ حَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ. وَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: وَهُوَ حُدُوثُ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَرْجُهَا حَلَالًا لَهُ بِفَسَادِ النِّكَاحِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ تَأَمَّلْ تَقِفْ.
ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ: ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْكَافِي سَلَكَ طَرِيقَةَ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى هَذَا الشَّرْطِ، إلَّا أَنَّهُ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ بِصُورَةِ تَأْخِيرِ التَّسْلِيمِ تَنْصِيصًا عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ بِهِ، وَعَلَّلَ الْمَسْأَلَةَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ الِاسْتِبْرَاءِ فِي الصُّورَتَيْنِ مَعًا فَقَالَ: وَالْحِيلَةُ إنْ لَمْ تَكُنْ تَحْتَ الْمُشْتَرِي حُرَّةٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا فَيَقْبِضَهَا فَلَا يَلْزَمُ الِاسْتِبْرَاءُ، لِأَنَّ بِالنِّكَاحِ ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهَا الْفِرَاشُ. وَإِنَّمَا اشْتَرَاهَا وَهِيَ فِرَاشُهُ. وَقِيَامُ الْفِرَاشِ لَهُ عَلَيْهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى تَبَيُّنِ فَرَاغِ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ الْغَيْرِ، ثُمَّ الْحِلُّ لَهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ حَلَالًا لَهُ بِالنِّكَاحِ قَبْلَ ذَلِكَ انْتَهَى. فَإِنْ قُلْت: لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ تَجَدُّدِ الْحِلِّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ حَلَالًا لَهُ بِالنِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُ زَالَ ذَلِكَ بِزَوَالِهِ بِالشِّرَاءِ، فَزَمَانُ الشِّرَاءِ خَالٍ عَنْ الْحِلِّ. أَمَّا عَنْ الْحِلِّ الْحَاصِلِ بِالنِّكَاحِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ زَمَانُ زَوَالِهِ. وَأَمَّا عَنْ الْحِلِّ الْحَاصِلِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَلِأَنَّهُ يَسْتَعْقِبُهُ الشِّرَاءُ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَا لَمْ يَفْرُغْ عَنْ التَّلَفُّظِ بِلَفْظِ اشْتَرَيْت بَعْدَ إيجَابِ الْبَائِعِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْحِلُّ. قُلْت: هَذِهِ مُغَالَطَةٌ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْعِلَّةِ يُقَارِنُ وُجُودَ الْمَعْلُولِ لَا يَسْتَعْقِبُهُ، فَزَمَانُ التَّلَفُّظِ بِالْحَرْفِ الْأَخِيرِ فِي اشْتَرَيْت هُوَ زَمَانُ وُجُودِ الشِّرَاءِ وَالْحِلِّ وَزَوَالِ النِّكَاحِ. لَا يُقَالُ: سَلَّمْنَا أَنَّ نَوْعَ الْحِلِّ مُسْتَمِرٌّ وَلَا يُوجَدُ زَمَانٌ خَالٍ عَنْ الْحِلِّ وَلَمْ يَحْدُثْ نَوْعُ الْحِلِّ، إلَّا أَنَّهُ حَدَثَ حِلٌّ هُوَ أَثَرُ مِلْكِ الْيَمِينِ.
وَذَلِكَ كَافٍ فِي وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ذَلِكَ، بَلْ الْوَاجِبُ حُصُولُ الْحِلِّ بِمِلْكِ الْعَيْنِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ حَلَالًا بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ، هَذَا غَايَةُ تَوْجِيهِ كَلَامِهِ لَكِنَّهُ يُعَدُّ مَحَلَّ نَظَرٍ. إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الشِّرَاءُ سَبَبُ الْمِلْكِ وَحِلُّ الْوَطْءِ حُكْمُهُ وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَتَعَقَّبُهُ، فَزَمَانُ وُجُودِ الْمِلْكِ خَالٍ عَنْ الْحِلِّ مُطْلَقًا فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ تَقَدَّمَ التَّسْلِيمُ أَوْ لَا، فَلَمْ يَصْلُحْ مَا ذَكَرَهُ حِيلَةً لِإِسْقَاطِهِ أَصْلًا فَتَأَمَّلْ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْمَطَارِحِ، إلَى هُنَا لَفْظُ ذَلِكَ الْبَعْضِ. أَقُولُ: مَا أَوْرَدَهُ فِي خَاتِمَةِ كَلَامِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَتَعَقَّبُهُ أَنَّهُ يَتَعَقَّبُهُ زَمَانًا أَلْبَتَّةَ فَهُوَ مَمْنُوعٌ جِدًّا، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَتَعَقَّبُهُ ذَاتًا: أَيْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ. وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ زَمَانُ وُجُودِ الْمِلْكِ خَالِيًا عَنْ الْحِلِّ مُطْلَقًا. وَبِالْجُمْلَةِ لُزُومُ تَأَخُّرِ حُكْمِ الشَّيْءِ عَنْ الشَّيْءِ زَمَانًا مَمْنُوعٌ، وَلُزُومُ تَأَخُّرِهِ عَنْهُ ذَاتًا مُسَلَّمٌ ضَرُورَةَ كَوْنِ حُكْمِ الشَّيْءِ مُتَفَرِّعًا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ خُلُوُّ زَمَانٍ مَا عَنْ الْحِلِّ مُطْلَقًا فِيمَنْ نَحْنُ فِيهِ حَتَّى يَجِبَ الِاسْتِبْرَاءُ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَيْضَ يَمْتَدُّ شَطْرَ عُمْرِهَا) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: أَيْ يَقْرُبُ مِنْ شَطْرِ عُمْرِهَا وَهُوَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute