فَرْجَ الْأُخْرَى غَيْرُهُ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ يُعْتِقُهَا)، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ لَا يَجُوزُ وَطْئًا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ﴾ وَلَا يُعَارَضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لِلْمُحَرَّمِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الدَّوَاعِي لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَلِأَنَّ الدَّوَاعِيَ إلَى الْوَطْءِ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ فِي التَّحْرِيمِ عَلَى مَا مَهَّدْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، فَإِذَا قَبَّلَهُمَا فَكَأَنَّهُ وَطِئَهُمَا، وَلَوْ وَطِئَهُمَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَامِعَ إحْدَاهُمَا وَلَا أَنْ يَأْتِيَ بِالدَّوَاعِي فِيهِمَا، فَكَذَا إذَا قَبَّلَهُمَا وَكَذَا إذَا مَسَّهُمَا بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهِمَا بِشَهْوَةٍ لِمَا بَيَّنَّا إلَّا أَنْ يَمْلِكَ
فَكَانَ قَرِيبًا مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهِيَ نِصْفُ الشَّهْرِ انْتَهَى.
وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: أَيْ قَرِيبُ شَطْرِ عُمْرِهَا وَهُوَ الثُّلُثُ. أَوْ الْمُرَادُ الْبَعْضُ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي النِّهَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الشَّطْرَ هُوَ النِّصْفُ، وَيَتَقَوَّى بِذَلِكَ اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيِّ عَلَيْنَا بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا انْتَهَى.
أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ جِدًّا، فَإِنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَيْنَا هُوَ قَوْلُهُ ﵊ فِي نُقْصَانِ دِينِ الْمَرْأَةِ «تَقْعُدُ إحْدَاهُنَّ شَطْرَ عُمْرِهَا لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي» وَوَجْهُ اسْتِدْلَالِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ زَمَانُ الْحَيْضِ، وَالشَّطْرُ هُوَ النِّصْفُ فَكَانَ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشْرَةَ يَوْمًا. وَقَالَ الشُّرَّاحُ هُنَاكَ حَتَّى صَاحِبُ الْعِنَايَةِ نَفْسُهُ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالشَّطْرِ فِي الْحَدِيثِ حَقِيقَتَهُ؛ لِأَنَّ فِي عُمْرِهَا زَمَانُ الصِّغَرِ وَمُدَّةُ الْحَبَلِ وَزَمَانُ الْإِيَاسِ وَلَا تَحِيضُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُقَارِبُ الشَّطْرَ، وَإِذَا قَدَّرْنَا الْعَشَرَةَ بِهَذِهِ الْآثَارِ كَانَ مُقَارِبًا لِلشَّطْرِ وَحَصَلَ التَّوْفِيقُ انْتَهَى.
فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الشَّطْرُ هُوَ النِّصْفُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هُنَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ وَالْمُطَرِّزِيُّ فِي الْمُغْرِبِ لَا يَتَقَوَّى اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيِّ عَلَيْنَا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، بَلْ لَا يَتَمَشَّى اسْتِدْلَالُهُ بِهِ عَلَيْنَا أَصْلًا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَجَالٌ لِكَوْنِ الشَّطْرِ هُنَاكَ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِعَدَمِ مُسَاعَدَةِ عُمْرِ الْمَرْأَةِ لَهَا كَمَا بَيَّنُوا، بَلْ لَا بُدَّ وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَجَازِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يُقَارِبُ الشَّطْرَ كَمَا ذَكَرُوا قَاطِبَةً هُنَاكَ. وَعَلَيْهِ جَرَى صَاحِبُ النِّهَايَةِ هُنَا أَيْضًا، فَكَأَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ نَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ فِي هَذَا الْمَقَامِ: وَشَطْرُ الشَّيْءِ نِصْفُهُ وَبَعْضُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا هُوَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَلِهَذَا أَوَّلَهُ بِمَا يَقْرُبُ مِنْ شَطْرِهِ وَقَالَ: فَإِنَّهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَةَ يَوْمًا وَهِيَ نِصْفُ الشَّهْرِ فَكَأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الشَّطْرَ لَا يَجِيءُ إلَّا بِمَعْنَى النِّصْفِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَقُول: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ مَجِيءَ الشَّطْرِ بِمَعْنَى الْبَعْضِ إنَّمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ حَيْثُ قَالَ: الشَّطْرُ نِصْفُ الشَّيْءِ وَجُزْؤُهُ. وَمِنْهُ حَدِيثُ الْإِسْرَاءِ " فَوَضَعَ شَطْرَهَا " أَيْ بَعْضَهَا انْتَهَى.
وَلَكِنَّ ذَاكَ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ فِي أَنْ يَكُونَ الشَّطْرُ حَقِيقَةً فِي مَعْنَى الْبَعْضِ أَيْضًا، فَإِنَّ أَكْثَرَ كُتُبِ اللُّغَةِ غَيْرُ مُتَكَفِّلٍ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَلَئِنْ سَلِمَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي مَعْنَى الْبَعْضِ أَيْضًا فَلَيْسَ مَعْنَى الْبَعْضِ بِمُنَاسِبٍ لِلْمَقَامِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ تَحَقُّقِ الْحَيْضِ فِي بَعْضِ عُمْرِهَا لَا يَقْتَضِي الْحَرَجَ فِي الْمَنْعِ عَنْ الدَّوَاعِي أَيْضًا حَالَةَ الْحَيْضِ. وَإِنَّمَا الَّذِي يَقْتَضِي الْحَرَجَ فِي ذَلِكَ تَحَقُّقُ الْحَيْضِ فِي نِصْفِ عُمْرِهَا أَوْ فِي قَرِيبٍ مِنْ نِصْفِ عُمْرِهَا لِطُولِ مُدَّةِ الْحَيْضِ إذْ ذَاكَ، وَهُوَ الْمُفْضِي إلَى الْحَرَجِ. فَلِذَلِكَ حَمَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ الشَّطْرَ الْوَاقِعَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا عَلَى النِّصْفِ، وَأَوَّلَهُ بِالْقَرِيبِ مِنْ النِّصْفِ لِيُوَافِقَ مَذْهَبَنَا فِي أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ.
(قَوْلُهُ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ لَا يَجُوزُ وَطْئًا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ﴾ وَلَا يُعَارَضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لِلْمَحْرَمِ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: الْأَصْلُ فِي الدَّلَائِلِ الْجَمْعُ وَأَمْكَنَ هُنَا بِأَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا﴾ عَلَى النِّكَاحِ، وَقَوْلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute