. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَقَدْ سَبَقَهُمَا إلَى مَأْخَذِ هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَا: وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ: يَعْنِي أَنَّهُ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُون فَاسِقٌ صَادِقَ الْقَوْلِ لَا يَكْذِبُ لِمُرُوءَتِهِ انْتَهَى.
أَقُولُ: لَا السُّؤَالُ شَيْءٌ وَلَا الْجَوَابُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً، بَلْ قَالَ بَعْدَهُ وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ. وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فَلَا يُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا قَوْلَهُ فِيمَا قَبْلُ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ. نَعَمْ قَدْ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ بَعْضِ جُزْئِيَّاتِ غَيْرِ الثِّقَةِ فِي الْحُكْمِ السَّابِقِ، وَلَا ضَيْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ عُمُومُ الْأَوْصَافِ لَا عُمُومُ الْجُزْئِيَّاتِ، وَكَلَامُهُ هَاهُنَا تَفْصِيلٌ لِمَا أَجْمَلَهُ فِيمَا قَبْلُ.
وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُفِيدَ التَّفْصِيلُ مَا لَا يُفِيدُهُ الْإِجْمَالُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ثِقَةً فِي قَوْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحُ دُونَ مَعْنَى الْعَدَالَةِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ لَمَا تَمَّ مَعْنَى قَوْلِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ، إذْ يَصِيرُ حِينَئِذٍ مَعْنَى قَوْلِهِ غَيْرَ ثِقَةٍ مَنْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ، وَفِي شَأْنِ مَنْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ أَكْبَرُ رَأْيِ السَّامِعِ أَنَّهُ صَادِقٌ، وَلَمَا تَمَّ تَعْلِيلُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ غَيْرُ لَازِمَةٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ لُزُومِ عَدَالَةِ الْمُخْبِرِ لَا يَدُلُّ عَلَى لُزُومِ الِاعْتِمَادِ عَلَى كَلَامِهِ، إذَا الْمَفْرُوضُ مِنْ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ جَوَازُ كَوْنِ الْفَاسِقِ أَيْضًا مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ فَكَانَ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ أَعَمَّ مِنْ الْعَدْلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ عَدَمَ لُزُومِ الْأَخَصِّ لِشَيْءٍ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ لُزُومِ الْأَعَمِّ لَهُ. فَالصَّوَابُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ ثِقَةً إذَا كَانَ عَدْلًا، وَبِقَوْلِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ.
وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ. وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ أَصْلًا كَمَا تَحَقَّقْته آنِفًا، وَمِمَّا يُفْصِحُ عَنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِالثِّقَةِ وَبِغَيْرِ الثِّقَةِ هَاهُنَا مَا ذَكَرْنَاهُ كَلَامُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ حَيْثُ قَالَ: هَذَا إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا، وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ غَيْرَ ثِقَةٍ أَوْ كَانَ لَا يُدْرَى أَنَّهُ ثِقَةٌ أَوْ غَيْرُ ثِقَةٍ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْمُخْبِرَ إذَا كَانَ فَاسِقًا أَوْ مَسْتُورًا نُظِرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَدْلًا مَوْضِعَ ثِقَةٍ وَفَسَّرَ غَيْرَ ثِقَةٍ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ غَيْرَ ثِقَةٍ بِالْفَاسِقِ، وَمَنْ لَا يُدْرَى أَنَّهُ ثِقَةٌ أَوْ غَيْرُ ثِقَةٍ بِالْمَسْتُورِ حَيْثُ قَالَ: يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْمُخْبِرَ إذَا كَانَ فَاسِقًا أَوْ مَسْتُورًا.
وَمَنْ تَتَبَّعَ كَلِمَاتِ ثِقَاتِ الْمَشَايِخِ فِي بَابِ مَسَائِلِ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي كُتُبِهِمْ الْمُعْتَبَرَةِ لَا يُشْتَبَهُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثِّقَةِ هُوَ الْعَدْلُ، وَبِغَيْرِ الثِّقَةِ غَيْرُ الْعَدْلِ، فَإِنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يَذْكُرُونَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ لَفْظَيْ الْعَدْلِ وَالثِّقَةِ مَوْضِعَ الْآخَرِ، وَكَذَا الْحَالُ فِي غَيْرِ الثِّقَةِ وَغَيْرِ الْعَدْلِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي حَلِّ هَذَا الْمَقَامِ: قَوْلُهُ وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولٌ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ: يَعْنِي عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، صَبِيًّا كَانَ أَوْ بَالِغًا، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، لَكِنْ بِشَرْطِ كَوْنِهِ ثِقَةً يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا لِجَوَازِ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِهِ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمِيلُ إلَى حُطَامِ الدُّنْيَا لِوَجَاهَتِهِ وَلَا يَكْذِبُ لِمُرُوءَتِهِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ وَبَيْنَ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ ثِقَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ.
وَلَوْ سَلِمَ فَلَا مُنَافَاةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِلَفْظِ هَذَا إلَى كَوْنِهِ فِي سِعَةٍ مِنْ ابْتِيَاعِهَا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَكَّلَنِي صَاحِبُهَا بِبَيْعِهَا، لَا إلَى قَبُولِ قَوْلِ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ. فَإِنَّ قَوْلَهُ يُقْبَلُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ ثِقَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ، إلَّا أَنَّ قَبُولَهُ يَكُونُ مَعَ ضَمِيمَةِ التَّحَرِّي الْمُوَافِقِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ، أَقُولُ: فِيهِ فَسَادٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ قَوْلَهُ لَكِنْ بِشَرْطِ كَوْنِهِ ثِقَةً يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ يُنَافِي قَوْلَ الْمُصَنِّفِ ﵀ وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ شَرْحُ كَلَامِهِ بِمَا يُنَافِيهِ صَرِيحُ عِبَارَتِهِ. وَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ وَبَيْنَ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ ثِقَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً إنَّمَا يَكُونُ تَصْرِيحًا بِاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ ثِقَةً: أَنْ لَوْ اقْتَصَرَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرَ ثِقَةٍ، وَلَمَّا قَالَ وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ كَانَ كَلَامُهُ صَرِيحًا فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ ثِقَةً كَمَا لَا يَخْفَى.
وَالثَّالِثُ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَوْ سَلِمَ فَلَا مُنَافَاةَ أَيْضًا كَلَامٌ فَاسِدُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَوْ سَلِمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute