وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ، وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِلْحَاجَةِ عَلَى مَا مَرَّ،
الْمُنَافَاةُ بَيْنَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ وَبَيْنَ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ ثِقَةً فَلَا مُنَافَاةَ أَيْضًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَسْلِيمَ الْمُنَافَاةِ يُنَاقِضُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ. فَكَانَ مَضْمُونُ كَلَامِهِ الْمَزْبُورِ جَمْعًا بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَلَوْ سَلِمَ نَاظِرًا إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ لَا إلَى قَوْلِهِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ إلَخْ؛ فَالْمَعْنَى وَلَوْ سَلِمَ عَدَمُ عُمُومِ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ فَلَا مُنَافَاةَ أَيْضًا. وَالرَّابِعُ أَنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِلَفْظِ هَذَا إلَى كَوْنِهِ فِي سَعَةٍ مِنْ ابْتِيَاعِهَا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَكَّلَنِي صَاحِبُهَا لَا إلَى قَبُولِ قَوْلِ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ ظَاهِرَ الْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ وَغَيْرَهُ عَلَّلُوا كَوْنَهُ فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ يَبْتَاعَهَا وَيَطَأَهَا بِكَوْنِ قَوْلِ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولًا عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ، فَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ مَشْرُوطًا بِكَوْنِهِ ثِقَةً دُونَ الثَّانِي لَمَا صَحَّ تَعْلِيلُ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي ضَرُورَةَ عَدَمِ اسْتِلْزَامِ تَحَقُّقِ الْعَامِّ تَحَقُّقَ الْخَاصِّ.
وَالْخَامِسُ أَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنَّ قَوْلَهُ يُقْبَلُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ ثِقَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مُدَّعَاهُ مِنْ كَوْنِ الْإِشَارَةِ بِلَفْظِ هَذَا إلَى كَوْنِهِ فِي سَعَةٍ مِنْ ابْتِيَاعِهَا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَكَّلَنِي صَاحِبُهَا لَا إلَى قَبُولِ قَوْلِ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً، وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَحَلَّ الْحُكْمِ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَاحِدٌ وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِلَفْظِ هَذَا فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ صَرِيحُ مَعْنَى قَوْلِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ، وَكَذَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً، وَقَبُولُ قَوْلِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ ثِقَةً عَلَى أَنْ يَكُونَ لَفْظُ هَذَا إشَارَةً إلَى قَبُولِ قَوْلِ الْوَاحِدِ وَهُوَ خِلَافُ مَا ادَّعَاهُ.
وَالسَّادِسُ أَنَّ اعْتِرَافَهُ هُنَا بِكَوْنِ قَوْلِ الْوَاحِدِ مَقْبُولًا فِيمَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ أَيْضًا، وَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ يُنَاقِضُ قَوْلَهُ فِي صَدْرِ كَلَامِهِ، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ كَوْنِهِ ثِقَةً يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِرُمَّتِهِ خَارِجٌ عَنْ نَهْجِ الصَّوَابِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْأَلْبَابِ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِلْحَاجَةِ عَلَى مَا مَرَّ) قُلْت: تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ غَيْرُ لَازِمَةٍ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى كَوْنِ مُرَادِهِ بِغَيْرِ الثِّقَةِ غَيْرَ الْعَدْلِ وَبِالثِّقَةِ الْعَدْلَ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ، إذْ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ بِالثِّقَةِ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا، وَبِغَيْرِ الثِّقَةِ مَنْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ عَلَى مَا مَرَّ لَمَا صَحَّ تَعْلِيلُ قَبُولِ قَوْلِ غَيْرِ الثِّقَةِ إذَا كَانَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ أَنَّهُ صَادِقٌ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ غَيْرُ لَازِمَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ عَدَالَتِهِ عَدَمُ لُزُومِ كَوْنِهِ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ كَمَا لَا يَخْفَى. بَقِيَ فِي هَذَا الْمَقَامِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الَّذِي ظَهَرَ مِمَّا ذَكَرَهُ هَاهُنَا هُوَ أَنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ غَيْرُ لَازِمَةٍ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ إذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَكْبَرُ رَأْيِ السَّامِعِ أَنَّهُ صَادِقٌ، وَقَدْ مَرَّ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْمُعَامَلَاتِ وَالدِّيَانَاتِ بِأَنَّهُ يُقْبَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ قَوْلُ الْفَاسِقِ مُطْلَقًا وَلَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ قَوْلُ الْفَاسِقِ وَلَا الْمَسْتُورِ إلَّا إذَا كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِ السَّامِعِ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَكَانَ مَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا مُخَالِفًا لِمَا مَرَّ هُنَاكَ؛ لِأَنَّ مَا اُعْتُبِرَ هُنَاكَ فِي الدِّيَانَاتِ دُونَ الْمُعَامَلَاتِ قَدْ اُعْتُبِرَ هَاهُنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ أَيْضًا، وَقَدْ تَنَبَّهْ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ لِوُرُودِ هَذَا الْإِشْكَالِ فَذَكَرَ إجْمَالَ مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَأَجَابَ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَبُولُ خَبَرِهِ مُتَوَقِّفًا عَلَى حُصُولِ أَكْبَرِ الرَّأْيِ لَا يَبْقَى فَرْقٌ بَيْنَ الْمُعَامَلَاتِ وَالدِّيَانَاتِ، فَإِنَّ خَبَرَ الْفَاسِقِ يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ أَيْضًا بِأَكْبَرِ الرَّأْيِ عَلَى مَا مَرَّ. وَجَوَابُهُ أَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقِ إنَّمَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ بِأَكْبَرِ الرَّأْيِ إذَا حَصَلَ بَعْدَ التَّحَرِّي، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ التَّحَرِّي فَتَأَمَّلْ انْتَهَى.
أَقُولُ: جَوَابُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ أَكْبَرَ الرَّأْيِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَقَّقَ بِدُونِ التَّحَرِّي، إذْ التَّحَرِّي طَلَبُ مَا هُوَ أَحْرَى الْأَمْرَيْنِ فِي غَالِبِ الظَّنِّ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ كُتُبِ اللُّغَةِ، فَمَا لَمْ يُطْلَبْ ذَلِكَ، وَلَمْ يُتَوَجَّهْ إلَيْهِ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ حُصُولُ أَكْبَرِ الرَّأْيِ فَلَا مَعْنًى لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّحَرِّي فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عِنْدَ اشْتِرَاطِ أَكْبَرِ الرَّأْيِ فِيهِ، وَإِنَّمَا اعْتِبَارُ أَكْبَرِ الرَّأْيِ فِيهِ اعْتِبَارُ التَّحَرِّي بِعَيْنِهِ، وَعَنْ هَذَا وَقَعَ التَّعْبِيرُ فِي بَيَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ بِلَفْظِ التَّحَرِّي بَدَلَ أَكْبَرِ الرَّأْيِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْجَارِيَةُ فَاسِقًا لَا تَثْبُتُ إبَاحَةُ الْمُعَامَلَةِ مَعَهُ بِنَفْسِ الْخَبَرِ بَلْ يُتَحَرَّى فِي ذَلِكَ، فَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى أَنَّهُ صَادِقٌ حَلَّ لَهُ الشِّرَاءُ مِنْهُ، وَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute