أَذِنَ لَهُ وَهُوَ ثِقَةٌ قُبِلَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثِقَةً يُعْتَبَرُ أَكْبَرُ الرَّأْيِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ لَمْ يَشْتَرِهَا لِقِيَامِ الْحَاجِرِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ.
قَالَ (وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَهَا ثِقَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ مَاتَ عَنْهَا، أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ وَأَتَاهَا بِكِتَابٍ مِنْ زَوْجِهَا بِالطَّلَاقِ، وَلَا تَدْرِي أَنَّهُ كِتَابُهُ أَمْ لَا. إلَّا أَنَّ أَكْبَرَ رَأْيِهَا أَنَّهُ حَقٌّ) يَعْنِي بَعْدَ التَّحَرِّي (فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَعْتَدَّ ثُمَّ تَتَزَوَّجَ)؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارِئٌ وَلَا مُنَازِعَ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ لِرَجُلٍ طَلَّقَنِي زَوْجِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. وَكَذَا إذَا قَالَتْ الْمُطَلَّقَةُ الثَّلَاثَ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَتَزَوَّجْت بِزَوْجٍ آخَرَ، وَدَخَلَ بِي ثُمَّ طَلَّقَنِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ جَارِيَةٌ كُنْت أَمَةَ فُلَانٍ فَأَعْتَقَنِي؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارِئٌ. وَلَوْ أَخْبَرَهَا مُخْبِرٌ أَنَّ أَصْلَ النِّكَاحِ كَانَ فَاسِدًا أَوْ كَانَ الزَّوْجُ حِينَ تَزَوَّجَهَا مُرْتَدًّا أَوْ أَخَاهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ حَتَّى يَشْهَدَ بِذَلِكَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ.
وَكَذَا إذَا أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ أَنَّك تَزَوَّجْتهَا وَهِيَ مُرْتَدَّةٌ أَوْ أُخْتُك مِنْ الرَّضَاعَةِ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِأُخْتِهَا أَوْ أَرْبَعٍ سِوَاهَا حَتَّى يَشْهَدَ بِذَلِكَ عَدْلَانِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِفَسَادٍ مُقَارَنٍ، وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ وَإِنْكَارِ فَسَادِهِ فَثَبَتَ الْمُنَازَعُ بِالظَّاهِرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ صَغِيرَةً فَأَخْبَرَ الزَّوْجُ أَنَّهَا ارْتَضَعَتْ مِنْ أُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ حَيْثُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارِئٌ، وَالْإِقْدَامُ الْأَوَّلُ لَا يَدُلُّ عَلَى انْعِدَامِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمُنَازِعُ فَافْتَرَقَا، وَعَلَى هَذَا الْحَرْفِ يَدُورُ الْفَرْقُ. وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةً صَغِيرَةً لَا تُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهَا فِي يَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي أَنَّهَا لَهُ فَلَمَّا كَبُرَتْ لَقِيَهَا رَجُلٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَقَالَتْ أَنَا حُرَّةُ الْأَصْلِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِتَحَقُّقِ الْمُنَازِعِ وَهُوَ ذُو الْيَدِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ.
قَالَ (وَإِذَا بَاعَ الْمُسْلِمُ خَمْرًا وَأَخَذَ ثَمَنَهَا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ نَصْرَانِيًّا فَلَا بَأْسَ بِهِ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ قَدْ بَطَلَ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَبَقِيَ الثَّمَنُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَحِلُّ أَخْذُهُ مِنْ الْبَائِعِ.
الْحُكْمِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ فَإِنَّ فِيهِ النَّهْيَ عَنْ الضَّرْبِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ، وَلَيْتَ شِعْرِي مَاذَا يَقُولُ ذَلِكَ الْقَائِلُ فِي شَأْنِ الْإِمَامِ الرَّبَّانِيِّ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنَّهُ أَيْضًا قَالَ فِي الْأَصْلِ فِي هَذَا الْمَقَامِ: وَأَكْبَرُ الرَّأْيِ مُجَوِّزٌ لِلْعَمَلِ فِيمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ هَذَا كَالْفُرُوجِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، فَإِنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَدْخَلَهَا عَلَيْهِ إنْسَانٌ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ إلَخْ كَمَا نُقِلَ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ أَيْضًا مِثْلُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي كَوْنِهِ مِنْ تِلْكَ الدَّلَالَةِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ، بَلْ ذَلِكَ مَأْخَذُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ: فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ فِيمَا هُوَ أَهَمُّ الْأُمُورِ وَهُوَ الدِّمَاءُ وَالْفُرُوجُ جَازَ الْعَمَلُ بِأَكْبَرِ الرَّأْيِ عِنْدَ الْحَاجَةِ. مَعَ أَنَّ الْغَلَطَ إذَا وَقَعَ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ أَوْلَى انْتَهَى.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارِئٌ وَالْإِقْدَامُ الْأَوَّلُ لَا يَدُلُّ عَلَى انْعِدَامِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمُنَازِعُ) اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إنْ قَبِلَ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي إفْسَادِ النِّكَاحِ بَعْدَ الصِّحَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَوَجْهٌ آخَرُ فِيهِ يُوجِبُ عَدَمَ الْقَبُولِ، وَهُوَ أَنَّ الْمِلْكَ لِلزَّوْجِ فِيهَا ثَابِتٌ وَالْمِلْكُ الثَّابِتُ لِلْغَيْرِ لَا يَبْطُلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute