وَهَذَا لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ تَقْتَضِي حُقُوقًا وَهُوَ أَصِيلٌ فِيهَا فَيَكُونُ خَصْمًا فِيهَا
قَالَ (وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ) بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ مَحْضٌ، وَالْقَبْضُ لَيْسَ بِمُبَادَلَةٍ فَأَشْبَهَ الرَّسُولَ (حَتَّى أَنَّ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ عَبْدٍ لَهُ فَأَقَامَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ بَاعَهُ إيَّاهُ وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ لِأَعْلَى خَصْمٍ فَلَمْ تُعْتَبَرْ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ خَصْمٌ فِي قَصْرِ يَدِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْقَبْضِ فَتَقْصُرُ يَدُهُ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْبَائِعُ تُعَادُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْبَيْعِ
بِالْقِسْمَةِ مَا وُكِّلَ بِتَقْسِيمِهِ عَلَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ قَبَضَ نَصِيبَهُ مِنْهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، لَا يَظْهَرُ لِتَخْصِيصِ أَشْبَهِيَّةِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ بِالْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ وَجْهٌ، إذْ يَصِيرُ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ حِينَئِذٍ أَشْبَهَ بِتِلْكَ الْمَسَائِلِ أَيْضًا مِنْ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَتَأَمَّلْ (وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى مَطْلَعِ نُكْتَةِ أَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ إنَّهُ وَكَّلَهُ بِالتَّمَلُّكِ (لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ تَقْتَضِي حُقُوقًا) كَالتَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ الْوَكِيلُ بِالتَّمَلُّكِ (أَصِيلٌ فِيهَا) أَيْ فِي الْحُقُوقِ (فَيَكُونُ خَصْمًا فِيهَا) أَيْ فِي الْحُقُوقِ: يَعْنِي كَأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَ الْوَكِيلَ بِتَمَلُّكِ مِثْلِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْمَدْيُونِ وَذَلِكَ مُبَادَلَةٌ، وَالْمَأْمُورُ بِالْمُبَادَلَةِ يَكُونُ أَصِيلًا فِي حُقُوقِ الْمُبَادَلَةِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَأَكْثَرِ الشُّرُوحِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِمَّا يَتِمُّ بِهِ دَلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالتَّمَلُّكِ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ اهـ.
فَعَلَيْك الِاخْتِبَارُ ثُمَّ الِاخْتِيَارُ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنَّفِ هُنَا حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ الْمُبَادَلَةَ لَمْ تَقَعْ مِنْ الْوَكِيلِ بَلْ مِنْ مُوَكِّلِهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْوَكِيلُ أَصِيلًا فِي حُقُوقِهَا. وَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ: الْمُبَادَلَةُ فِي التَّمَلُّكِ بِأَخْذِ الدَّيْنِ.
قُلْنَا: ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ بَعْدٌ فَتَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِمُتَوَجِّهٍ، لِأَنَّ تَعَلُّقَ بَعْضِ الْحُقُوقِ بِشَيْءٍ قَبْلَ وُقُوعِهِ لَيْسَ بِعَزِيزٍ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ حَقَّ الْخُصُومَةِ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ وُقُوعِ الْأَخْذِ، فَكَذَا هَاهُنَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَهَذِهِ أَشْبَهَ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ حَتَّى يَكُونَ خَصْمًا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا يَكُونُ خَصْمًا قَبْلَ الْأَخْذِ هُنَالِكَ. ثُمَّ إنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ قَبْضَ الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ مُبَادَلَةً مِنْ جِهَةِ كَوْنِ الدُّيُونِ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا إلَّا أَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِعَيْنِ الْحَقِّ مِنْ وَجْهٍ كَمَا مَرَّ، فَلِشَبَهِهِ بِالْمُبَادَلَةِ تَعَلَّقَ حَقُّ الْخُصُومَةِ بِالْوَكِيلِ، وَلِشَبَهِهِ بِأَخْذِ عَيْنِ الْحَقِّ جَازَتْ الْخُصُومَةُ قَبْلَ وُقُوعِ التَّمَلُّكِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَيُرْشِدُ إلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ: لَا يُقَالُ لَوْ كَانَ وَكِيلًا بِالْمُبَادَلَةِ وَجَبَ أَنْ تَلْحَقَهُ الْعُهْدَةُ فِي الْمَقْبُوضِ.
لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا لَا تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ فِي الْمَقْبُوضِ لِأَنَّ قَبْضَ الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ مُبَادَلَةً مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَهُوَ اسْتِيفَاءُ عَيْنِ الْحَقِّ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ مِنْ الدُّيُونِ مَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ، فَلِشَبَهِهِ بِالْمُبَادَلَةِ جَعَلْنَاهُ خَصْمًا، وَلِشَبَهِهِ بِأَخْذِ الْعَيْنِ لَا تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ فِي الْمَقْبُوضِ عَمَلًا بِهَا اهـ
(قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ بِالِاتِّفَاقِ) أَيْ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا.
وَلِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا فِي قَبْضِ الدَّيْنِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الْعَيْنِ (أَمِينٌ مَحْضٌ) حَيْثُ لَا مُبَادَلَةَ هَاهُنَا لِأَنَّهُ يَقْبِض عَيْنِ حَقِّ الْمُوَكِّلِ (وَالْقَبْضُ) أَيْ قَبْضُ الْعَيْنِ (لَيْسَ بِمُبَادَلَةٍ فَأَشْبَهَ الرَّسُولُ، حَتَّى إنَّ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ عَبْدٍ لَهُ) أَيْ لِلْمُوَكِّلِ (فَأَقَامَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ) أَيْ فَأَقَامَ ذُو الْيَدِ (الْبَيِّنَةَ) عَلَى (أَنَّ الْمُوَكِّلِ بَاعَهُ) أَيْ بَاعَ الْعَبْدَ (إيَّاهُ) أَيْ ذَا الْيَدِ (وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ) أَيْ الْمُوَكِّلُ (وَهَذَا) أَيْ وُقُوفُ الْأَمْرِ (اسْتِحْسَانٌ) أَيْ مُقْتَضَى الِاسْتِحْسَانِ (وَالْقِيَاسُ) أَيْ مُقْتَضَاهُ (أَنْ يَدْفَعَ) أَيْ الْعَبْدَ (إلَى الْوَكِيلِ) وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ (لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ لِأَعْلَى خَصْمٍ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ (فَلَمْ تُعْتَبَرْ) أَيْ الْبَيِّنَةُ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلَ (خَصْمٌ فِي قَصْرِ يَدِهِ) أَيْ فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِ نَفْسِهِ عَنْ الْعَبْدِ (لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْقَبْضِ فَتَقْصُرُ يَدُهُ) أَيْ يَدُ الْوَكِيلِ: يَعْنِي يَصِيرُ أَثَرُ الْبَيِّنَةِ مُجَرَّدَ قَصْرِ يَدِهِ لَا إثْبَاتَ الْبَيْعِ (وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْبَيْعُ، حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ) وَهُوَ الْمُوَكِّلُ (تُعَادُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْبَيْعِ) يَعْنِي لَوْ حَضَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute