للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالِاشْتِدَادِ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْغَلَيَانَ بِدَايَةُ الشِّدَّةِ، وَكَمَالُهَا بِقَذْفٍ بِالزَّبَدِ وَسُكُونِهِ؛ إذْ بِهِ يَتَمَيَّزُ الصَّافِي مِنْ الْكَدِرِ، وَأَحْكَامُ الشَّرْعِ قَطْعِيَّةٌ فَتُنَاطُ بِالنِّهَايَةِ كَالْحَدِّ وَإِكْفَارِ الْمُسْتَحِلِّ وَحُرْمَةِ الْبَيْعِ

وَقِيلَ يُؤْخَذُ فِي حُرْمَةِ الشُّرْبِ بِمُجَرَّدِ الِاشْتِدَادِ احْتِيَاطًا

وَالثَّالِثُ أَنَّ عَيْنَهَا حَرَامٌ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِالسُّكْرِ وَلَا مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ حُرْمَةَ عَيْنِهَا، وَقَالَ: إنَّ السُّكْرَ مِنْهَا حَرَامٌ؛ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الْفَسَادُ وَهُوَ الصَّدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَهَذَا كُفْرٌ؛ لِأَنَّهُ جُحُودُ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ تَعَالَى سَمَّاهُ رِجْسًا وَالرِّجْسُ مَا هُوَ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ، وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ مُتَوَاتِرَةً أَنَّ النَّبِيَّ

قَوْلَهُ: لِأَنَّ الِاسْمَ يَثْبُتُ بِهِ مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ مُدَّعَاهُمَا ثُبُوتُ هَذَا الِاسْمِ بِمُجَرَّدِ الِاشْتِدَادِ بِدُونِ اشْتِرَاطِ الْقَذْفِ بِالزَّبَدِ وَلَا يُسَلِّمُهُ أَبُو حَنِيفَةَ بَلْ يَقُولُ بِاشْتِرَاطِ الْقَذْفِ بِالزَّبَدِ

فَتَعْلِيلُ مُدَّعَاهُمَا بِثُبُوتِ هَذَا الِاسْمِ بِالِاشْتِدَادِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ

وَقَوْلُهُ وَكَذَا الْمَعْنَى الْمُحَرَّمُ وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْفَسَادِ بِالِاشْتِدَادِ يُشْعِرُ بِكَوْنِ حُرْمَةِ الْخَمْرِ مَعْلُولَةً، وَهَذَا يُنَافِي مَا صَرَّحَ بِهِ فِيمَا بَعْدُ مِنْ أَنَّ عَيْنَهَا حَرَامٌ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِالسُّكْرِ وَلَا مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ

وَقَدْ شَرَحَ الشَّارِحُ الْكَاكِيُّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هَذَا بِمَا هُوَ أَظْهَرُ فِي الْمُنَافَاةِ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَا الْمَعْنَى الْمُحَرَّمُ وَهُوَ الْإِسْكَارُ يَحْصُلُ بِالِاشْتِدَادِ وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْفَسَادِ: أَيْ الْإِسْكَارُ مُؤَثِّرٌ فِي إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ

إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يُلَائِمُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّهَا مَعْلُولَةٌ بِالسُّكْرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ بِقَوْلِهِ: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ حُرْمَةَ عَيْنِهَا، وَقَالَ: السُّكْرُ مِنْهُ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الْفَسَادُ وَهُوَ الصَّدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْغَلَيَانَ بِدَايَةُ الشِّدَّةِ وَكَمَالُهَا بِقَذْفِ الزَّبَدِ وَسُكُونِهِ؛ إذْ بِهِ يَتَمَيَّزُ الصَّافِي مِنْ الْكَدِرِ وَأَحْكَامُ الشَّرْعِ قَطْعِيَّةٌ فَتُنَاطُ بِالنِّهَايَةِ كَالْحَدِّ وَإِكْفَارِ الْمُسْتَحِلِّ وَحُرْمَةِ الْبَيْعِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي حَدِّ ثُبُوتِ اسْمِ الْخَمْرِ لَا فِي حَدِّ تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ اسْمُ الْخَمْرِ فِي بِدَايَةِ الشِّدَّةِ وَيُشْتَرَطُ تَرَتُّبُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَيْهِ بِكَمَالِهَا فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ

وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْكَلَامُ هَا هُنَا فِي حَدِّ

ثُبُوتِ اسْمِ الْخَمْرِ فِي الشَّرْعِ لَا فِي حَدِّ ثُبُوتِهِ فِي اللُّغَةِ فَقَطْ، فَإِذَا ثَبَتَ اسْمُهَا الشَّرْعِيُّ يَلْزَمُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ بِلَا تَرَاخٍ فِيهِ فَيَتِمُّ التَّقْرِيبُ تَدَبَّرْ

(قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ أَنَّ عَيْنَهَا حَرَامٌ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِالسُّكْرِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فَرْقٌ مَا بَيْنَ السُّكْرِ وَالْإِسْكَارِ فَلَا يُخَالَفُ هَذَا الْقَوْلُ لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَا الْمَعْنَى الْمُحَرَّمُ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ لَازِمُ الْإِسْكَارِ وَمُطَاوِعُهُ فَلَا يَفْتَرِقَانِ فِي التَّحْقِيقِ، فَالتَّعْلِيلُ بِأَحَدِهِمَا يُؤَدِّي إلَى التَّعْلِيلِ بِالْآخَرِ، وَمُجَرَّدُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَفْهُومِ لَا يُجْدِي شَيْئًا فِقْهِيًّا هَا هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى، كَيْفَ وَلَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بَيَانُ كَوْنِ حُرْمَتِهَا لِعَيْنِهَا غَيْرَ مَعْلُولَةٍ بِشَيْءٍ مَا أَصْلًا

لَا أَنَّهَا غَيْرُ مَعْلُولَةٍ بِالسُّكْرِ وَلَكِنَّهَا مَعْلُولَةٌ بِشَيْءٍ آخَرَ كَالْإِسْكَارِ

لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِيمَا بَعْدُ مِنْ لُزُومِ الْكُفْرِ وَجُحُودِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ادِّعَاءِ كَوْنِهَا مَعْلُولَةً بِمَا يُنَافِي كَوْنَهَا مُحَرَّمَةَ الْعَيْنِ مُطْلَقًا لَا عَلَى ادِّعَاءِ كَوْنِهَا مَعْلُولَةً بِالسُّكْرِ فَقَطْ

وَإِنَّمَا قَالَ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِالسُّكْرِ لِكَوْنِ الْوَاقِعِ فِي كَلَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>