للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنَّ النَّجْمَ مُشْتَقٌّ مِنْ النُّجُومِ وَهُوَ الظُّهُورُ، ثُمَّ هُوَ اسْمٌ خَاصٌّ لِلنَّجْمِ الْمَعْرُوفِ لَا لِكُلِّ مَا ظَهَرَ وَهَذَا كَثِيرُ النَّظِيرِ

وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ طَعَنَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ، وَالثَّانِي أُرِيدَ بِهِ بَيَانُ الْحُكْمِ؛ إذْ هُوَ اللَّائِقُ بِمَنْصِبِ الرِّسَالَةِ

وَالثَّانِي فِي حَقِّ ثُبُوتِ هَذَا الِاسْمِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا اشْتَدَّ صَارَ خَمْرًا، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَذْفُ بِالزَّبَدِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَثْبُتُ بِهِ، وَكَذَا الْمَعْنَى الْمُحَرَّمُ وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْفَسَادِ

إلَى تَعْلِيلِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ التَّأَمُّلُ الصَّادِقُ (قَوْلُهُ فَإِنَّ النَّجْمَ مُشْتَقٌّ مِنْ النُّجُومِ وَهُوَ الظُّهُورُ، ثُمَّ هُوَ اسْمٌ خَاصٌّ لِلنَّجْمِ الْمَعْرُوفِ لَا لِكُلِّ مَا ظَهَرَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: فَإِنَّ النَّجْمَ مُشْتَقٌّ مِنْ نَجَمَ إذَا ظَهَرَ ثُمَّ هُوَ خَاصٌّ بِالثُّرَيَّا انْتَهَى، وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ

أَقُولُ: هَذَا شَرْحٌ غَيْرُ صَحِيحٍ لَا يُطَابِقُ الْمَشْرُوحَ؛ لِأَنَّ النَّجْمَ إنَّمَا كَانَ اسْمًا خَاصًّا لِجِنْسِ الْكَوْكَبِ مَوْضُوعًا لَهُ لِظُهُورِهِ، ثُمَّ صَارَ عَلَمًا لِلثُّرَيَّا بِلَا وَضْعِ وَاضِعٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ لِأَجْلِ الْغَلَبَةِ وَكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ جِنْسِهِ كَمَا هُوَ حَالُ سَائِرِ الْأَعْلَامِ الْغَالِبَةِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ

وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ هُوَ اسْمٌ خَاصٌّ لِلنَّجْمِ الْمَعْرُوفِ أَنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ لِلظَّاهِرِ الْمَخْصُوصِ وَهُوَ جِنْسُ الْكَوْكَبِ لَا أَنَّهُ عَلَمٌ خَاصٌّ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ مِنْ أَفْرَادِ جِنْسِ الْكَوْكَبِ وَهُوَ الثُّرَيَّا؛ لِأَنَّ مَعْنَى الظُّهُورِ إنَّمَا لُوحِظَ فِي مَرْتَبَةِ كَوْنِ النَّجْمِ اسْمًا مَوْضُوعًا لِجِنْسِ الْكَوْكَبِ لَا فِي مَرْتَبَةِ كَوْنِهِ عَلَمًا لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَهُوَ الثُّرَيَّا، فَإِنَّ كَوْنَهُ عَلَمًا لَهُ إنَّمَا كَانَ بِمُجَرَّدِ الْغَلَبَةِ وَكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ لَا لِمُلَاحَظَةِ مَعْنًى فِيهِ، وَلِهَذَا يُقَالُ لِلْأَعْلَامِ الْغَالِبَةِ أَعْلَامٌ اتِّفَاقِيَّةٌ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا لَا سُتْرَةَ بِهِ عِنْدَ مَنْ لَهُ دُرْبَةٌ بِالْعُلُومِ الْأَدَبِيَّةِ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ إنَّمَا اغْتَرَّ بِلَفْظِ الْمَعْرُوفِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اسْمٌ خَاصٌّ لِلنَّجْمِ الْمَعْرُوفِ، إلَّا أَنَّ مُرَادَهُ بِالنَّجْمِ الْمَعْرُوفِ الْجِنْسُ الْمَخْصُوصُ الْمَعْرُوفُ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ النَّجْمِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِ مَا يُوجَدُ فِيهِ مَعْنَى الظُّهُورِ مُطْلَقًا وَهُوَ جِنْسُ الْكَوْكَبِ تَأَمَّلْ تَرْشُدْ

(قَوْلُهُ وَالثَّانِي أُرِيدَ بِهِ بَيَانُ الْحُكْمِ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةِ: يَعْنِي إذَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ كَانَ حُكْمُهُ فِي الْإِسْكَارِ حُكْمَ الْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ وَثُبُوتِ الْحَدِّ انْتَهَى

أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ تَفْسِيرُ الْحُكْمِ فِي قَوْلِهِ وَالثَّانِي أُرِيدَ بِهِ بَيَانُ الْحُكْمِ بِالْحُرْمَةِ وَثُبُوتِ الْحَدِّ عِنْدَ إسْكَارِ كَثِيرِهِ وَلَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ» يُفِيدُ الْحَصْرَ كَقَوْلِهِ «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ

فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ بَيَانَ الْحُكْمِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِي ذَيْنِك الشَّرْحَيْنِ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ الْحَصْرُ وَالتَّخْصِيصُ بِهَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ مُشِيرًا بِهِمَا إلَى الْكَرْمَةِ وَالنَّخْلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ فِيهِمَا وَهُوَ الْحُرْمَةُ وَثُبُوتُ الْحَدِّ عِنْدَ إسْكَارِ الْكَثِيرِ يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ تَيْنِكِ الشَّجَرَتَيْنِ أَيْضًا، فَإِنَّ نَبِيذَ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَنَبِيذَ الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ وَإِنْ كَانَ حَلَالًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إذَا لَمْ يَصِلْ مَرْتَبَةَ الْإِسْكَارِ وَكَانَ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَطَرَبٍ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ صَارَ حَرَامًا بِالْإِجْمَاعِ، وَيَثْبُتُ بِهِ الْحَدُّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ

وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ الَّذِي أُرِيدَ بَيَانُهُ بِالْحَدِيثِ الثَّانِي هُوَ حُرْمَةُ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُتَّخَذِ مِنْ غَيْرِ تَيْنِكِ الشَّجَرَتَيْنِ فَيَصِحُّ الْحَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ بِلَا غُبَارٍ، وَعِبَارَةُ صَاحِبِ الْكَافِي فِي تَفْسِيرِ الْمُرَادِ بِالْحُكْمِ هَا هُنَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَرِيحَةً فِي حُرْمَةِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مَعًا، إلَّا أَنَّهَا بِإِجْمَالِهَا لَا تُنَافِيهَا بَلْ تُسَاعِدُهَا حَيْثُ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالثَّانِي بَيَانُ الْحُكْمِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ لَا بَيَانَ الْحَقِيقَةِ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَثْبُتُ بِهِ، وَكَذَا الْمَعْنَى الْمُحَرَّمُ وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْفَسَادِ بِالِاشْتِدَادِ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>