للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا وَأَكْلَ ثَمَنِهَا» وَاخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ مَالِيَّتِهَا

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَالٌ؛ لِأَنَّ الطِّبَاعَ تَمِيلُ إلَيْهَا وَتَضِنُّ بِهَا

وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى مُسْلِمٍ دَيْنٌ فَأَوْفَاهُ ثَمَنَ خَمْرٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا، وَلَا لِلْمَدْيُونِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ بَيْعٍ بَاطِلٍ وَهُوَ غَصْبٌ فِي يَدِهِ أَوْ أَمَانَةٌ عَلَى حَسَبِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ كَمَا فِي بَيْعِ الْمَيْتَةِ

وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى ذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ يُؤَدِّيهِ مِنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ، وَالْمُسْلِمُ الطَّالِبُ يَسْتَوْفِيهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ جَائِزٌ.

وَالسَّابِعُ حُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِهَا؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالنَّجَسِ حَرَامٌ، وَلِأَنَّهُ وَاجِبُ الِاجْتِنَابِ وَفِي الِانْتِفَاعِ بِهِ اقْتِرَابٌ.

وَالثَّامِنُ أَنْ يُحَدَّ شَارِبُهَا وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ مِنْهَا لِقَوْلِهِ «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْتُلُوهُ» إلَّا أَنَّ حُكْمَ الْقَتْلِ قَدْ انْتَسَخَ فَبَقِيَ الْجَلْدُ مَشْرُوعًا، وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ، وَتَقْدِيرُهُ ذَكَرْنَاهُ فِي الْحُدُودِ.

وَالتَّاسِعُ أَنَّ الطَّبْخَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لِلْمَنْعِ مِنْ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ لَا لِرَفْعِهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا، إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِيهِ مَا لَمْ يَسْكَرْ مِنْهُ عَلَى مَا قَالُوا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ بِالْقَلِيلِ فِي النِّيءِ خَاصَّةً، لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا قَدْ طُبِخَ.

وَالْعَاشِرُ جَوَازُ تَخْلِيلِهَا وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَسَنَذْكُرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، هَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي الْخَمْرِ.

وَأَمَّا الْعَصِيرُ إذَا طُبِخَ حَتَّى يَذْهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ وَهُوَ الْمَطْبُوخُ أَدْنَى طَبْخَةٍ وَيُسَمَّى الْبَاذَقَ وَالْمُنَصَّفَ وَهُوَ مَا ذَهَبَ نِصْفُهُ بِالطَّبْخِ

فَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ عِنْدَنَا إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ

أَوْ إذَا اشْتَدَّ عَلَى الِاخْتِلَافِ

أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا التَّعْلِيلُ يَنْتَقِضُ بِالسِّرْقِينِ فَإِنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ مَعَ أَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ الْبَيْعِ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ السِّرْقِينِ وَيُكْرَهُ بَيْعُ الْعَذِرَةِ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ السِّرْقِينِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَشَابَهَ الْعَذِرَةَ، وَجِلْدَ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ

وَلَنَا أَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْقَى فِي الْأَرَاضِيِ لِاسْتِكْثَارِ الرِّيعِ فَكَانَ مَالًا وَالْمَالُ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ بِخِلَافِ الْعَذِرَةِ انْتَهَى فَتَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ وَالسَّابِعُ حُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِهَا؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالنَّجَسِ حَرَامٌ) أَقُولُ: انْتِقَاضُ هَذَا التَّعْلِيلِ بِالسِّرْقِينِ أَظْهَرُ مِمَّا مَرَّ آنِفًا فَتَدَبَّرْ

(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْعَصِيرُ إذَا طُبِخَ حَتَّى يَذْهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ وَهُوَ الْمَطْبُوخُ أَدْنَى طَبْخَةٍ وَيُسَمَّى الْبَاذَقَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْبَاذَقُ بِكَسْرِ الذَّالِ وَفَتْحِهَا: مَا طُبِخَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَدْنَى طَبْخَةٍ فَصَارَ شَدِيدًا

وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْبَاذَقُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ: مَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ فَصَارَ شَدِيدًا، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: هُوَ تَعْرِيبٌ بَاذَّهُ وَهُوَ الْخَمْرُ

وَنَقَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مَا فِي الْمُغْرِبِ وَمَا فِي الْفَائِقِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ

أَقُولُ: فِيمَا ذَكَرَ فِي الْفَائِقِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ عَلَى مَا مَرَّ هِيَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا صَارَ مُسْكِرًا، وَالْمَطْبُوخُ لَيْسَ بِنِيءٍ قَطْعًا، وَالْبَاذِقُ اسْمٌ لِمَا طُبِخَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَدْنَى طَبْخَةٍ فَلَيْسَ بِخَمْرٍ لَا مَحَالَةَ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَأَمَّا الْعَصِيرُ إذَا طُبِخَ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ وَأَمَّا الْخَمْرُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْبَاذَقُ تَعْرِيبَ بَاذَّهُ بِمَعْنَى الْخَمْرِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا ذُكِرَ فِي الْفَائِقِ مَبْنِيًّا عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّ الْخَمْرَ اسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ لَا عَلَى مَا هُوَ الْمُحَقَّقُ عِنْدَنَا مِنْ كَوْنِهَا اسْمًا خَاصًّا لِلنِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا أَسْكَرَ (قَوْلُهُ وَالْمُصَنِّفَ وَهُوَ مَا ذَهَبَ نِصْفُهُ بِالطَّبْخِ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: قَوْلُهُ: وَالْمُنَصَّفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالنَّصْبِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: الْبَاذَقَ: أَيْ يُسَمَّى الْعَصِيرُ الذَّاهِبُ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>