للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إنَّهُ مُبَاحٌ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوبٌ طَيِّبٌ وَلَيْسَ بِخَمْرٍ

وَلَنَا أَنَّهُ رَقِيقٌ مُلِذٌّ مُطْرِبٌ وَلِهَذَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْفُسَّاقُ فَيَحْرُمُ شُرْبُهُ دَفْعًا لِلْفَسَادِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ، وَأَمَّا نَقِيعُ التَّمْرِ وَهُوَ السُّكْرُ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ التَّمْرِ: أَيْ الرَّطْبِ

الْبَاذَقَ وَيُسَمَّى الْمُنَصَّفَ أَيْضًا

وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ أَبَا اللَّيْثِ فَسَّرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الذَّاهِبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ بِالْمُنَصَّفِ

وَأَيْضًا أَنَّهُ قَدْ حَصَرَ الْأَشْرِبَةَ الْمُحَرَّمَةَ

عَلَى أَرْبَعَةٍ وَهِيَ الْخَمْرُ وَالْعَصِيرُ الذَّاهِبُ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ وَنَقِيعُ التَّمْرِ وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ

فَلَوْ كَانَ الْمُنَصَّفُ غَيْرَ الْبَاذَقِ الَّذِي هُوَ الْمَطْبُوخُ الذَّاهِبُ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ لَكَانَتْ الْأَشْرِبَةُ الْمُحَرَّمَةُ خَمْسَةً، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُنَصَّفُ بِالرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الذَّاهِبِ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُنَصَّفًا أَوْ غَيْرَهُ، وَلِهَذَا جَعَلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ الْبَاذَقَ قِسْمًا وَالْمُنَصَّفَ قِسْمًا انْتَهَى

وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ مَضْمُونِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ مَعْنًى وَهَذَا أَوْجَهُ لَفْظًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَنْصُوبًا لَقَالَ أَيْضًا انْتَهَى

أَقُولُ: لَعَلَّ الْأَوَّلَ لَا وَجْهَ لَهُ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أَوْجَهَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى ذَلِكَ تَقْدِيرَ الْعَصِيرِ الَّذِي طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ يُسَمَّى بِاسْمَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا الْبَاذَقُ وَالْآخَرُ الْمُنَصَّفُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْبَاذَقُ وَالْمُنَصَّفُ مُتَّحِدِينَ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ الْعَصِيرُ الْمَطْبُوخُ أَدْنَى طَبْخَةٍ، مَعَ أَنَّ تَحْرِيرَ الْمُنَصَّفِ يُنَافِي ذَلِكَ

أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ فَسَّرَ الْمُنَصَّفَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ مَا ذَهَبَ نِصْفُهُ بِالطَّبْخِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا أَخَصُّ مِنْ الْعَصِيرِ الْمَطْبُوخِ أَدْنَى طَبْخَةٍ لِتَنَاوُلِ ذَلِكَ مَا ذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِهِ بِالطَّبْخِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الِاتِّحَادُ فِي الْمَعْنَى

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ قَالَ: فَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ عِنْدَنَا إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ إلَخْ

وَلَا يَخْفَى أَنَّ لَفْظَ كُلٍّ يَقْتَضِي التَّعَدُّدَ بِحَسَبِ الْمَعْنَى لَا بِحَسَبِ الِاسْمِ فَقَطْ، فَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مَرْفُوعٌ لَا غَيْرُ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَطْبُوخِ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ الْمَطْبُوخُ أَدْنَى طَبْخَةٍ

وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْعَصِيرَ الْمَطْبُوخَ الذَّاهِبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْمَطْبُوخُ أَدْنَى طَبْخَةٍ الْمُسَمَّى الْبَاذَقُ، وَالْآخَرُ الْمُنَصَّفُ وَهُوَ مَا ذَهَبَ نِصْفُهُ بِالطَّبْخِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَرَامٌ عِنْدَنَا إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ أَوْ إذَا اشْتَدَّ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَّ الْمُنَصَّفَ لَوْ كَانَ غَيْرَ الْبَاذَقِ لَكَانَتْ الْأَشْرِبَةُ الْمُحَرَّمَةُ خَمْسَةً وَقَدْ حَصَرُوهَا فِي الْأَرْبَعَةِ فَعَلَى طَرَفِ الثُّمَامِ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الَّتِي حَصَرُوا الْأَشْرِبَةَ الْمُحَرَّمَةَ فِيهَا إنَّمَا هِيَ أُصُولُ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَأَقْسَامُهَا الْأَوَّلِيَّةُ، وَالْبَاذِقُ وَالْمُنَصَّفُ لَيْسَا كَذَلِكَ، بَلْ إنَّمَا هُمَا قِسْمَانِ مِنْ أَحَدِ تِلْكَ الْأُصُولِ

وَالْأَقْسَامُ الْأَوَّلِيَّةُ وَهُوَ الطِّلَاءُ الْعَامُّ لِلْبَاذِقِ وَالْمُنَصَّفِ

ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ أَوْرَدَ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ وَهَذَا أَوْجَهُ لَفْظًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَنْصُوبًا لَقَالَ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ الْمُسَمَّى بِالْبَاذِقِ غَيْرُ الْمُسَمَّى بِالْمُنَصَّفِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَقَامُ مَقَامَ قَوْلِهِ وَأَيْضًا انْتَهَى

أَقُولُ: هَذَا سَاقِطٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمُسَمَّى بِالْبَاذِقِ غَيْرُ الْمُسَمَّى بِالْمُنَصَّفِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَالْمُنَصَّفُ مَرْفُوعًا، وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا كَمَا هُوَ مَحَلُّ كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فَلَا مَجَالَ لَأَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى بِأَحَدِهِمَا غَيْرُ الْمُسَمَّى بِالْآخَرِ، بَلْ مُقْتَضَى مَعْنَى التَّرْكِيبِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ إنَّمَا هُوَ تَعَدُّدُ الِاسْمِ دُونَ الْمُسَمَّى كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ دِرَايَةٌ بِقَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ

ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُنَاقَشَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَنْصُوبًا لَقَالَ أَيْضًا بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْوَاوَ الْعَاطِفَةَ فِي قَوْلِهِ: وَالْمُنَصَّفَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا مَعْطُوفًا عَلَى: " الْبَاذَقَ " تُغْنِي غِنَاءَ كَلِمَةٍ أَيْضًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَنْصُوبًا لَقَالَ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَأَمَّا نَقِيعُ التَّمْرِ وَهُوَ السُّكْرُ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ التَّمْرِ: أَيْ الرُّطَبُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَتَفْسِيرُهُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ التَّمْرَ بِالرُّطَبِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّمْرَ إذَا نُقِعَ فِي الْمَاءِ يُسَمَّى نَقِيعًا فَلَا حَاجَةَ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>